إن شاهدت أحد أفلام مارفيل ستلاحظ أنهم لا يكتفون فقط بخلق بطل خارق، ولكنهم يحاولون إقناع المشاهد بأن هذا الأمر ممكن عن طريق استخدام ما يشبه التبرير العلمي، لكنه في الحقيقية استخدام لمصطلحات علمية بطريقة غير منطيقة لا أكثر. جينوم و DNA ثم سبايدرمان من لسعه، نظرية الأوتار والزمكان فالانتقال إلى عالم ثور…الخ.
هل يشبه هذا حال الصفحات العربية العلمية؟
أولاً: العلم كمرجع
ما سر هذا الاهتمام المطرد؟
لا يخفى على أحد مدى الشعبية التي وصلت لها كثير من الصفحات العلمية العربية على الانترنت، شعبية ربما تفوقت على صفحات بلغات أخرى، وحتى الأشخاص الغير مهتمين بالعلم أو لا يعملون به أصبحوا جزءًا من هذا الوله. بالطبع لا يمكن لهذا أن يكون سيءً بأي شكل، ولكن ما الذي حصل فجأة؟
ربما يكون الأمر نتيجة التطور الفكري والعقلي للجيل الجديد فيما ما تزال القنوات الرسمية وشبه الرسمية غارقة في تخلف فكري ورجعي دفع الناس للبحث عن مصادر معرفة يتقبلها العقل.
أو أن التاريخ يكرر نفسه كما حدث في أوربا إبان عصر التنوير، حيث أدت الوفيات والأهوال الناتجة عن الطاعون ووقوف الكنيسة آنذاك عاجزة عن إيقافه أو معالجته إلى توجه الناس لمصادر أخرى لحل مشاكلهم وإيجاد حلول عملية ووجدوا غايتهم في العلم.
ما يحصل اليوم قد يكون مشابهًا بطريقة ما؛ فالثورات التي تم تكن مدعومة فكريًا والمآسي التي نتج دون أن يبدو أحد قادرًا على ايقافها، وانفصال عدد كبير من رجال الدين عن الواقع أو تحدثهم بأمور لا يقبلها لا منطق ولا عقل، والاستغباء والدجل المتواصل على التلفاز الذي لقي شعبية واسعة قبل هذه المرحلة دفعت من خذله كل ذلك إلى التوجه للعلم لعله يشرح أسباب أزماتنا ويبين القوانين التي بني عليها العالم بعيدًا عن الخرافات وبطريقة يرتاح لها العقل ويأنس بها.
كل هذا جيد. لكن هل تخدم الصفحات العربية هذا الأمر؟
المحتوى العلمي
كم مرة زرت إحدى الصفحات العلمية ووجدت مصطلحات كما في أفلام مارفل، وكم مرة زرت نفس الصفحة ووجدت شيئًا على سبيل:
المعادلتان مرتبطتان بموضوع لربما قرأت عنه كثيرًا على الصفحات العلمية العربي حيث يلقى شعبية واسعة وهو الثقوب السوداء. الأولى عن علاقة الكتلة بالجاذبية والثانية علاقة الطاقة الحركية والطاقة الكامنة لجسم خارج نطاق جاذبية ثقب أسود.
ربما رأيت هكذا معادلات على صفحة ما، لكن الأغلب على ما يبدو لا يأتي بسيرة هكذا أمور.
نحن نعلم أن العلم هو نظريات وإثباتات وتمحيص وتفنيد بطريقة متسلسلة ومنطقية، وإن فقد كل ذلك لا يعدو المقال سوى أخبار مثل باقي الأخبار، لكن عوض أن يكون موضوعها سياسي أو اجتماعي أو عن المشاهير يكون عن اكتشافات علمية قام بها غيرنا!
فكر معي؛ لو أردت يومًا إجراء بحث علمي أكاديمي، أو اكتشفت اكتشافاً في عالم الفيزياء وأردت الوصول إلى أعمال سابقة لتبني عليها، وأعمال مشابهة لوضع نظرية متكاملة، هل تعتقد أن هذه الصفحات ستكون ذات نفع لك؟

ثانيًا: الترويج للعلم
في الحقيقة لا تحتاج المواقع أو وسائل التواصل إلى وجود معادلات علمية لتكون ذات قيمة. فنحن نحتاج بجانب المواقع العلمية البحثية إلى ما يخدم ترويج العلم وايصاله لعامة الناس وغير المشتغلين به.
يقول ستيفن هوبكينز أنه عندما قدم كتابه الشهير تاريخ موجز للزمن للناشر أول مرة أخبره الأخير أن عليه إزالة كافة المعادلات من الكتاب. وبالفعل فعل، ولم يبقى في الكتاب حين نشره سوى معادلة واحدة. أصبح الكتاب لاحقًا رائجًا جدًا وساهم بشكل كبير في تفهم عامة الناس لمسائل علمية وجدوها معقدة سابقًا، بالإضافة لتحبيب طيف واسع من الناس بالعلم بعد أن نفرتهم القنوات العلمية الأكاديمية الجافة.
إن الترويج للعلم هو مسألة في غاية الأهمية لكن أحد أهم مبادئ التسويق يقول أن لا ترويج خير من الترويج السيء. فأي غاية تخدم الصفحات العلمية العربية بهذا الشأن؟
عامل الذهلة
لماذا تركز معظم أخبار الصفحات العلمية العربية على الثقوب السوداء؟ أو علم نفس الخوارق؟ أو اكتشاف كواكب حديثة تشبه الأرض؟
هي أخبار مهمة ولا شك ولكن هذا التركيز على هذا النوع من الأخبار بالذات هو لأنها تملك عنصر الإذهال والتشويق والغرابة. إذن ما يمر أو يصل للقارئ ليس جميع الاختبارات والاكتشافات العلمية بل ما يريده المتلقي فقط وليس ما يجب أن يعرفه.
صناعة التشويق هذه هي حول تشجيع المشاركة وجذب الجمهور، لكنها ليست جيدة مع المشاركة الخلاقة أو البحث النقدي. إنها تصنع هالة من التعجب حول العلم لا علاقة لها بتاتًا بما يجري بالمختبرات ومراكز الدراسات، لذا يتفاجأ كثيرون عندما يدخلون أو يقررون دراسة مجال علمي. العلم يصبح بعيدًا عن الواقع والبحث النقدي بل صناعة استجابتنا لها محصورة بكلمة: واو!
مبادئ البحث العلمي
ظهرت سابقًا على المواقع العربية مشكلة الأخبار التي تلقى رواجًا واسعًا لكنها بدون أي مصدر أو موثوقية بل فقط تعطي معلومات خاطئة إن لم يكن خطيرة. ثم برز حل لذلك وأعطى موثوقية وسمعة حسنة للعديد من المواقع وهو ذكر المصادر بعد كل خبر أو مقالة.
تكمن المشكلة هنا أن وجود بعد المساطر أسفل المقال يعطي موثوقية وهمية كثيرًا. فليست كل المصادر يعمل به أو يعتمد عليها وهو على ما يبدو أنه يفوت كثيرًا من هذه المواقع. فمثلا تشير إحدى المقالات إلى خبر علمي مأخوذ بدون تعديل من جريدة الاندبندنت وهي جريدة ذات باع طويل في المجال فيبدو أن كل شيء على مرام ثم نبدأ استنتاج أمور وبناء نظريات على هذه الدراسة. إلا أن الدراسة المنشورة إذا تمعنت بتفاصيلها قد أجريت على عينة من 20 شخص فقط، ومن الناحية العلمية فإن عينة بهذا الحجم لا تقترب حتى واحد بالمئة لتصبح عينة يمكن الاعتماد عليها بمنطق البحث العلمي.
مصدر آخر للأسف يتكرر كثيرًا في قسم المصادر هو ويكيبيديا. علمًا أنها موقع مفتوح المصدر أي شخص قادر على تغيير محتواه كيفما أراد وهي ليست مصدر علمي أو بحثي رسمي قد يرجع له بتاتًا حتى أن ذلك مكتوب بإصدار إخلاء المسؤولية للموقع.
إذا تكمن المشكلة أن كثيرًا من هذه المواقع ليس سوى ترجمات من مواقع أخرى دون تطبق عليها مبادئ البحث العلمي أو النظرة النقدية مع العلم أن أي موقع إذا كتب بالإنجليزية أو الفرنسية لا يجعله معصومًا عن الخطأ أو مصدر منزل حتى نعتمد عليه بدون تدقيق.
القفز إلى الاستنتاجات أو ألا معنى
تغرق كثير من المواقع العربية العلمية إما بالقفز إلى الاستنتاجات بناءً على خبر ما عوضًا عن الاستنتاج الممنهج المبني على منطق سليم فكثيرًا ما يتم مهاجمة الدين من نظرية التطور أو تفنيد نظرية عريقة بناءً على اكتشاف علمي حديث لم يتم تثبيته بعد. وإما تكون خالية من أي معنى أو مغزى ولا تغدو غير نقل لخبر منفصل كأنه نشرة الطقس.
نتيجة
إذًا الصفحات التي تنشر حب العلم وتروج له بطريقة تصل للكل هي أمر رائع ونحن بأشد الحاجة له وهي بالتأكيد خير آلاف المرات من متابعة أخبار المشاهير وما شابه، لكن ذلك لا يغني عن مواقع ومحتوى عربي علمي عميق يكون مرجعًا يبنى عليه عوضًا عن الاستقبال فقط، حيث ينشر الكُتاب والباحثون دراساتهم واكتشافاتهم الخاصة أو آراءهم وأفكارهم حول العلم المبنية على مراقبة دقيقة وتمحيص مبني على منطق البحث العلمي.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.