التصنيفات
مجتمع أفكار تعليم

ضد الجامعات

أو: هل للشهادة الجامعية قيمة غير الورق الذي كتبت عليه؟

     حتى سبعينيات القرن الماضي لم تتجاوز أعداد الطلاب في الجامعات 2 في المئة. اليوم تقترب التقديرات من 40 في المئة. وكثيراً ما يُقال لنا أن الخريجين يكسبون أكثر في المتوسط من غير الخريجين؛ وأن الجامعات تعزز الاقتصادات المحلية؛ وبطبيعة الحال، فإنها بدرجة ما تُنمي العقل وتغذي التفكيرالنقدي.

لكن بعيداً عن الأرقام وهذا السباق المحموم للتفاخر بتخريج أكبر عدد من الجامعين، مع ماذا يتخرج الجامعيون؟ أهي المهارات التي تؤهلهم لدخول سوق العمل بقوة أو المعرفة التي ترتقي بالأمم؟

أنا أحمل شهادة ماجستير في الاقتصاد، ولكن كل ما أعرفه عن الاقتصاد والإدارة هو من كتب غير دراسية قرأتها خلال الجامعة. صديقي مهندس ميكانيك لكنه لم يمسك مفتاح ربط في حياته. صديق آخر مهندس يعمل كمحاسب، ومحاسب يعمل كمدرس، وخريج آداب إنكليزية لا يجيد تكوين جملة إنكليزية واحدة. هل يبدو واضحًا كيف أن الجامعة تعطيك شهادة، ولكن قدرتك على دخول سوق العمل مبنية على قدراتك وما تعلمته بنفسك خارج الجامعة؟ وإذا أخذنا الموضوع من الناحية المعرفية، كتشبيه، فقد أعطونا في الجامعة خلال أربع سنوات 48 كتابًا عن الاقتصاد، بينما كنت أنهيت في سنة واحدة خمسين كتابًا في الأدب الإنكليزي، ولم أحصل على شهادة تخصص في الأخير

من المرحلة الابتدائية، يقضي الطلاب آلاف الساعات في دراسة موضوعات لا علاقة لها بسوق العمل الحديث، أو حتى بتطورهم الذاتي ومدى فهمهم للحياة. تركز دروس اللغة على تفكيك الجمل وتركيبها من مقاطع مجتزئة عوضًا عن جمالية ومعنى الأعمال الأدبية. تهتم دروس الرياضيات المتقدمة بأدلة لا يمكن لأي طالب أن يتبعها. ودروس التاريخ عبارة عن حفظ لتواريخ وأسماء عوضًا عن فهم ماضينا وتعلم من أخطاء أسلافنا، وكذا في باقي المواد.

لماذا يفرح الطلاب عندما يلغي المعلم الصف؟ عندما يسمع الطلاب خبر تغيب الدكتور أو إلغاء المحاضرة فإنهم يهللون ويفرحون، فإذا كانت الجامعة تفييدهم وتعطيهم شيئًا يجذبهم فإن هذا الابتهاج أمر غريب. هذا الابتهاج نابع حقيقة من أنك تذهب إلى الجامعة في المقام الأول لأنك تريد شهادة للتوظيف وليس حبًا في الاختصاص في الغالب؛ كما أن الجامعة تعطيك أمور نظرية لا تستطيع ربطها بالواقع، أو تحس بأنها لن تفييدك بأي شيء.

إذا فكرنا في الأمر من ناحية التوظيف بعد العمل. ماهي المهارات التي تعلمتها في الجامعة وستجعلك مؤهلا للعمل في اختصاصك مباشرة؟ هل تأهلك الشهادة الجامعية حقيقةً لسوق العمل؟ أم أنها صارت مطلباً من الشركات فقط بسبب زيادة المنافسة، وبما أن كل أقرانك يقدمون على عمل مع شهادة فالأحرى بك امتلاك شهادة كذلك؟ وفي الآونة الأخيرة ازداد الطلب على شهادات الماجستير لشغل أعمال لم تكن تطلب له قبل عشرة سنوات، مع العلم أن الماجستير كان تخصصًا أكاديميًا بحثيًا لا علاقة له بمهارات العمل. لكن كما أسلفنا، هي الأمور الأساسية التي صار يجب أن توردها في سيرتك الذاتية وليس ما تتعلمه حقا في الجامعة. كمجتمع، نستمر في دفع أعداد أكبر من الطلاب إلى مستويات أعلى من التعليم. التأثير الرئيسي ليس فرص عمل أفضل أو مستويات مهارة أعلى ، لكن سباق تسلح في الشهادات.

بالنسبة لوزارات التعليم النجاح هو دخول عدد من الشباب إلى الجامعات ونسبة لا بأس بها تتخرج ولا يهمهم كثيرًا ماذا تعلمت أثناء ذلك من معرفة ومهارات، أو الأهم، أين انتهيت بعد التخرج. الجلوس في الفصل الدراسي عامًا بعد عام ليس كافيًا. يجب على الطلاب اكتساب المعرفة. وهذا ليس كل شئ، يجب على الجامعات التأكد من أن الطلاب سيحتفظون بالكثير من المعرفة التي يكتسبونها في الجامعة، فسوق العمل يدفع لك مقابل ما تعرفه الآن – وليس ما كنت تعرفه في يوم التخرج.

إن النظرة التقليدية لوزارات التعليم والجامعات تفترض أن الطالب النموذجي يكتسب ويحتفظ بالكثير من المعرفة، لكنه لا يفعل. غالبًا ما يندب المعلمون خسارة التعلم في الصيف: فالطلاب يعرفون أقل في نهاية الصيف أكثر مما كانوا يفعلون في البداية. لكن فقدان التعلم الصيفي ليس سوى حالة خاصة لمشكلة التلاشي: يعاني البشر من مشكلة في الاحتفاظ بالمعرفة التي نادراً ما يستخدمونها. بالطبع، بعض خريجي الجامعات يستخدمون ما تعلموه وبالتالي يحتفظون به – المهندسون والاختصاصات التطبيقية الأخرى، على سبيل المثال، يتذكرون الكثير من الرياضيات، ولكن فقط تلك الرياضات التي يستخدمونها في عملهم مباشرة وبشكل مستمر. لكن إذا قسنا ما يتذكره الخريج في المتوسط من كل ما درسه في الجامعة فإن النتيجة لن تكون مبشرة.

بالتأكيد، ليس من المفترض أن يقوم الطلاب ببصم الحقائق فقط؛ من المفترض أن يتعلموا كيف يفكرون في الحياة الواقعية. قام أحد الباحثين باختبار قدرة طلاب جامعة ولاية أريزونا على “تطبيق المفاهيم الإحصائية والمنهجية لاتخاذ القرار في أحداث الحياة اليومية”. فوجد أنه من بين مئات من الطلاب الذين تم اختبارهم، والذين أخذ العديد منهم أكثر من ست سنوات من العلوم المختبرية … والرياضيات المتقدمة من خلال حساب التفاضل والتكامل، لم يبد أي منها حتى شيئًا من المنطق المقبول للاستنتاج المنهجي. وكما ذكرعالم النفس في جامعة هارفارد هوارد جاردنر:

الطلاب الذين يحصلون على درجات الشرف في اختصاص الفيزياء غير قادرين في كثير من الأحيان على حل المشاكل والأسئلة الأساسية التي تواجههم في شكل مختلف قليلاً عن تلك التي واجهتهم في الجامعة وقدموا في اختبارًا نجحو فيه بتفوق. وينطبق نفس الشيء على طلاب علم الأحياء والرياضيات والإحصاءات و…و….

ما يحدث اليوم في عالم التعليم باختصار أنه يتعين على الشباب أن يقفزوا عبر الأطواق الأكاديمية اللامحدودة لتأمين مكانهم في أسواق العمل المتضخمة نتيجة الدين وهذا الأمر يجعلهم يفقدون التركيز على التعلم ويهتمون فقط بالشهادة. أما الجامعات فإنها توظف مدرسين أكاديميين مفصولين تمامًا عن الحياة العملية، كل ما يعطونه نظري، وتضع مناهج قديمة لا ترتبط بالواقع لا من ناحية المهارات ولا من ناحية المعرفة ثم تعطي الطلاب شهادة بناء على ما يستطيعون تذكره من سنوات دراستهم، وليس ما تعملوه، أو التقدم في المعرفة والمهارات الذي أنجزوه. هنا تصبح الشهادة اعتمادًا لأمور ستُنسى ولن تكون.

كتبها: رافاييل لايساندر

تعليق واحد على “ضد الجامعات”