يجزم العرف الشائع أن النساء يتحدثن بكثرة ولا يكدن “يأخذن نفسًا” وهنة يتحدثن. ملاحظة تم توكيدها وتتويجها علميًا من قبل Louann Brizendine دكتورة علم النفس والأعصاب في جامعة كاليفورنيا حين قالت في كتابها الرائج جدًا “المخ الأنثوي” أن النساء يستخدمن ما معدله 20.000 كلمة يوميًا، مقارنةً بـ 7000 كلمة التي ينطق بها الرجال، نقلاً حسب الدكتورة عن خبراء موثوقين على نطاق واسع. بيان يعزز الصورة النمطية للجنس الذي يقضي أيامه في التميمة، بينما يقضي الرجال المتصوفون يومهم دون الحاجة إلى الدردشة. ولكن هل هذا صحيح بالفعل؟
شكلَ ادعاء لورين فضيحة في الأوساط العلمية، خصوصًا وأنه صادر عن طبيبة وأكاديمية، حيث لم يكن بالإمكان تتبع مصدر الإحصائية لأي دراسة علمية سوا كذبة في كتيب نشر عام 1993 عن “نصائح للزواج”، مما دفع الدكتورة لورين لسحب الادعاء من نسخ أحدث للكتاب ولكن فقط بعد أن ملأ الأمر الدنيا وصار الجميع ينقل الإحصائية على ذمة أن دكتورة في جامعة لها وزنها قالت ذلك.
حتى لو افترضنا صحة مصدر هكذا إحصائية فإن طريقة إجراءها تشكل مشكلة بحد ذاتها: فهل تم أخذ اختلاف شخصيات المشتركين بعين الاعتبار، مثل أن بعض الأشخاص يفضلون الصمت بطبعهم وبغض النظر عن جنسهم؟ وماذا عن موضوع الحديث؟ فيحضر للجميع مثلا صورة المدير الذي لن يتوقف عن التكلم عن نفسه وإنجازاته أينما حانت له الفرصة.
لو افترضنا ثبات جميع المتغيرات أو كبر العينة الإحصائية بشكل كافي لتشمل عدة متغيرات فيمكن قياس الكلام بطرق مختلفة:
1) يمكنك جمع الأشخاص في مختبر، ومنحهم موضوعًا للمناقشة ثم تسجيل محادثاتهم. أو
2) يمكنك محاولة دفعهم لتسجيل محادثاتهم اليومية في المنزل. ويمكنك حساب إجمالي عدد الكلمات المنطوقة، أو الوقت الذي يقضيه كل شخص في الحديث، أو متوسط عدد الكلمات المنطوقة في جلسة واحدة.
من خلال الجمع بين نتائج 73 دراسة على الأطفال، وجد باحثون أمريكيون أن الفتيات يتكلمن كلمات أكثر من الأولاد، ولكن فقط بكمية صغيرة. حتى هذا الاختلاف البسيط لم يكن واضحًا إلا عندما تحدث الأطفال إلى أحد الوالدين، ولم يظهر ذلك عندما كانوا يتحدثون مع أصدقائهم. ولعل الأهم من ذلك هو أنه لم يتم ملاحظة هذا الأمر إلا في عمر عامين ونصف، مما يعني أنه قد يعكس ببساطة السرعات المختلفة التي يطور بها الفتيان والفتيات مهارات اللغة.
لذلك ليس هناك فرق كبير بين الأطفال من الجنسين، ولكن ماذا عن البالغين؟ عندما قام كامبل ليبر من جامعة كاليفورنيا، عالم النفس الذي وجد الفرق البسيط عند الأطفال الصغار، بإجراء تحليل حول هذا الموضوع، كان الرجال هم أكثر من تحدثوا. ولكن مرة أخرى كان الفرق صغيرًا. وكان من اللافت للنظر أيضًا أن الدراسات المعملية التي تم فيها إعطاء موضوعات محددة للمناقشة أو وضع المشاركين في مجموعات حوار مجهزة كان بها اختلافات أكبر من تلك التي أجريت في أوضاع أكثر واقعية. هذا يشير إلى أن الرجال ربما كانوا أكثر راحة في أوضاع مختبرية غير عادية.
دعمت نتائج ليبر مراجعة 56 دراسة أجرتها الباحثة اللغوية ديبورا جيمس وعالمة النفس الاجتماعي جانيس دراكيش التي نُشرت في كتاب صدر عام 1993 عن أساليب المحادثة بين الذكور والإناث. وجدت دراستان فقط من الدراسات أن النساء يتحدثن أكثر من الرجال، بينما وجد 34 منهم أن الرجال يتحدثون أكثر من النساء، على الرغم من أن التناقضات في الطريقة التي أجريت بها الدراستان جعلت من الصعب مقارنتهما بباقي الأربع وثلاثين دراسة.
كانت اختبارات تسجيل المحادثات اليومية الأصعب في الدراسة بسبب الحاجة إلى حث المشاركين على تسجيل جميع محادثاتهم. ولكن بعد ذلك قام عالم النفس جيمس بينبيكر من جامعة تكساس في أوستن بتطوير جهاز يسجل مقتطفات صوتية مدتها 30 ثانية كل 12.5 دقيقة، ولا يمكن للمشاركين إيقاف التسجيل، لذا فهو يوفر عينة أكثر موثوقية لما يحدث بالفعل. في بحث نُشر في مجلة Science في عام 2007، وجد Pennebaker أن النساء اللائي اختبرنهن تحدثن بمتوسط 16،215 كلمة بينما تحدث الرجال 15،669. مرة أخرى، فرق ضئيل لا وزن احصائي له.
إذا على الرغم من كل الأدلة التي تشير إلى ضد ما نعتقد، يبدو أننا ملتزمون بفكرة أن النساء يتحدثن أكثر. في الواقع، إنه مجرد واحد من مجالات الحياة العديدة التي نتوقع فيها اختلافات كبيرة بين الجنسين، ولكن عندما تؤخذ قاعدة البحث ككل في الاعتبار، غالباً ما يكون الرجال والنساء أكثر تشابهًا بكثير من الاعتقاد السائد.
الغريب أن هكذا فرضية تتعارض مع الحظر على صوت المرأة القائم منذ بداية التاريخ بدعوا أن صوتها مثير لغريزة الرجل إلى حد وصفه بالعورة أحياناً، أو محاولة اسكات المرأة بسبب ما تريد قوله عن الرجل، أو بحجة أن حديث النساء دائمًا تافه وكأن الرجال يقضون جل حديثهم حول الفلسفة والعلوم والأخلاق.
لأكثر من 20 عامًا، درست ديبورا كاميرون، أحد أبرز علماء اللغة في بريطانيا، مفهوم هيمنة المحادثة. ما وجدته هو أن الرجال يحتجزون المنبر في كثير من الأحيان في محادثة مختلطة بين الجنسين ما لم يكن الموضوع فرضيًا من خبرة الإناث – علاقات أو أطفال على سبيل المثال – وهذا ليس فقط لأن الرجال يتحدثون فوق صوت المرأة ولكن لأن النساء يعطين هذا المجال تحت دعوى الاحترام والذوق العام.

والأكثر من ذلك، في المواقف الرسمية أو العامة – اجتماعات العمل، والمناقشات السياسية، والمقابلات التلفزيونية – يتحدث الرجال دائمًا أكثر من النساء، ويتعلق الأمر بالمكانة، كما تقول كاميرون – فالأشخاص الذين يمارسون ترتيبًا هجوميًا هم الذين يتولون القيادة.
من الجدير بالملاحظة أنه عندما تتحدث النساء وبنفس المقدار والطريقة التي يتحدث بها الرجال، هناك تصور مجحف بأنهن يتحدثن أكثر منهم – وهذا ما يتصوره الرجال والنساء على حد سواء. لقد اعتدنا أن نسمع أقل من النساء لدرجة أنه عندما يصلن إلى أي شيء قريب من التكافؤ، يبدأ تحيز المستمع ونعتقد أننا غارقون في كلمات النساء.
كما تقول ديبورا: “إن فكرة أن النساء يتحدثن أكثر من الرجال هي مثال جيد على قدرة افتراضاتنا في تضليلنا عن الحقائق. لا يوجد اعتقاد على نطاق واسع أو قوي بوجود أي اختلافات بين الجنسين في اللغة، لكن لا شيء يحصل على دعم أقل من الأدلة المتوفرة”.
إذا كنت ترغب في التعليق على هذا المقال أو أي شيء آخر رأيته في مجلتنا، فتوجه، مشكورًا، إلى صفحتنا على Facebook أو راسلنا على Twitter.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.