استنادًا إلى قصة شقيقه جوناثان، يأتي الفلم الثاني للمخرج البريطاني العريق كريستوفر نولان، وهو لغز نفسي شبه مثالي. الفلم مصور للخلف، حيث تظهر المشاهد بترتيب زمني عكسي، ثم تتقدم للأمام مرة أخرى، مع تقديم معلومات غير واضحة حتى يتم توفير قطعة أخرى من الأحجية. يجعل نولان من التحول التسلسلي للمشاهد طريقة فعالة لإظهار ما هو في الأساس لغز قتل مضلل حيث قد يعرف البطل أو لا يعرف أن حقائقه ليست “الحقائق”. يسير الفلم على خطى العديد من أفلام صنف Noir التي تتناول مسألة فقدان الذاكرة مثل Blue Dahlia (1945) and Suture (1993)—
لو أراد دكتور الأعصاب الشهير أوليفر ساكس صنع فلم لربما خرج بشيء يشبه Memento. يقوم الممثل الأسترالي غاي بيرس بدور ليونارد، وهو محقق تأمينات سابق معتد وعصبي. يرتدي بدلات جميلة ويقود سيارة جيدة لكنه يبيت في موتيلات متهدمة، وهذا مؤشر على كيف غيرته الوظيفة المفروضة عليه. يعاني من شكل نادر من فقدان الذاكرة (حالة حقيقية تسمى anterograde amnesia، وهي عدم القدرة على تكوين ذكريات جديدة) ، يتتبع ليونارد أفعاله من خلال الملاحظات اللاصقة والصور، ويَشِم جسمه “بالحقائق” الأكثر أهمية في هذه المسألة. هدفه الوحيد هو الانتقام من مغتصب زوجته وقاتلها، وهي مهمة شبه مستحيلة بالنظر إلى أنه يمتلك أقل عدد من الخيوط ولا يستطيع تذكر أي شيء من الماضي القريب. الأشخاص من حوله، رفقاءه في الفراش ناتالي (كاري آن موس) و تيدي (جو بانتوليانو) ، يمكن أن يكونوا أصدقاء أو يمكن أن يكونوا القاتل – ليس لديه فكرة.
يؤكد الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم على أن الهوية هي وهم، ونحن مجموعة من الانطباعات العابرة . إذا ما نحن بما أننا لسنا أنفسنا؟
Memento هو مختبر متميز للإجابة على هذا السؤال. سيؤخذ الفيلم كأساس لاختبار بعض النظريات حول المفهوم الفلسفي “للهوية الشخصية”. وعبر تحليل البنية السردية في إيقاع الفيلم، يسلط الضوء أيضًا على كيفية عرض المُشاهد للتاريخ وإعطاء الاتساق والأهمية، وبالتالي يقع على عاتق المُشاهد وحده -كما يخبر المخرج نولان- مسؤولية تعيين هوية شيلبي. ويمكننا هنا أن نسأل شيئين: “هل يمكننا الاعتماد على ذاكرة شيلبي؟ “و” هل يتحمل المسؤولية عن قتل أربعة أشخاص بالأسلحة النارية وزوجته عن طريق حقنها بالأنسولين أكثر من اللازم؟”. هذا الفيلم هو بالتالي فلسفة حول موضوع الهوية والمسؤولية.
في كل مشهد تقريبًا، يقدم بيرس أداءً هائجًا وجذابًا باعتباره الرجل المتعصّب بشكل سيء لمهمته ولكنه غير قادر على اتخاذ القرارات التي يحتاجها. تعتبر كيفية فك خيوط القصة وإعادة تنظيمها إنجازًا رائعًا للعقل المنطقي واستمرارية النص. تتطلب هذه الحيلة الفنية يقظة الجمهور، ولكن، كما أي فلم نوير حقيقي، لا تتم مكافئة الجمهور على ذلك في النهاية… إنها طريقة سرد الحكاية التي لا تنسى، وليس القصة نفسها.

إذا كنت ترغب في التعليق على هذا المقال أو أي شيء آخر رأيته في مجلتنا، فتوجه، مشكورًا، إلى صفحتنا على Facebook أو راسلنا على Twitter.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.