التصنيفات
أصوات الزمن العمل

مهارات التباطؤ بالعمل

عن نظرية التجنيد المنهجي، والتباطؤ المفتعل للعمال

لا شك أن ميل الرجل العادي (في جميع مناحي الحياة) هو العمل بوتيرة بطيئة ومتهاونة، بالطبع بعد أن يكون قد فكر واعتبر مطولاً وجوب الإسراع من ذاته أو نتيجة للتقليد، أو الضمير أو الضغط الخارجي.

هناك، بالطبع، رجال ذوو طاقة وحيوية وطموح غير عاديين يختارون بشكل طبيعي الوتيرة الأسرع ويضعون معاييرهم الخاصة ويعملون بجد، على الرغم من أن ذلك قد يكون ضد مصالحهم المُثلى. لكن هؤلاء الرجال القلائل غير المألوفين يفعلون هذا عند توفر تباين يؤكد تميزهم عن المتوسط.

هذا الميل الشائع إلى “التعامل مع الأمور بتروي” يتزايد بشكل كبير عند جمع عدد من الرجال في نفس العمل وبمعدل أجر موحد يوميًا.

بموجب هذا النموذج، فإن الرجال الأفضل يُبطئون تدريجيًا، ولكن حتمًا، وتيرتهم إلى درجة الأفقر والأقل كفاءة. عندما يعمل رجل نشيط بطبعه لبضعة أيام بجانب رجل كسول، فلا مبرر منطقي لمعضلة: “لماذا يجب أن أعمل بجد عندما يحصل هذا الزميل الكسول على نفس الأجر الذي أعمله ولا يقوم إلا بنصف العمل؟”

إن دراسة الوقت الدقيق للرجال الذين يعملون في ظل هذه الظروف ستكشف عن حقائق مضحكة ومثيرة للشفقة.

للتوضيح: حدد الكاتب توقيتًا لعامل نشيط بشكل طبيعي كان يسير أثناء ذهابه وإيابه من العمل بسرعة من ثلاثة إلى أربعة أميال في الساعة، ويهرول في العديد من المرات إلى المنزل بعد يوم عمل. عند وصوله إلى عمله، يتباطأ سيره على الفور إلى سرعة تصل إلى حوالي ميل واحد في الساعة. عندما يدفع عربة محملة، على سبيل المثال، فإنه يسير بخطى سريعة، حتى عند صعود تلة، من أجل أن يُمضي أقصر وقت ممكن تحت الحمل، ومباشرةً في رحلة العودة فارغًا يتباطأ إلى ميل في الساعة، مستغلاً كل فرصة للتلكع، عدا عن القعود الفعلي. ليتأكد من أنه لا يفعل أكثر من جاره الكسول، فإنه يُتعب نفسه حقيقة في جهود التباطؤ.

عمِل هؤلاء الرجال تحت إشراف رئيس عمال يتمتع بسمعة طيبة، ويقدره بشدة صاحب المنشأة، الذي قال عندما تم لُفت انتباهه إلى هذه الحالة: “حسنًا، يمكنني منعهم من الجلوس، لكن الشيطان لا يستطيع جعلهم يتحركون بنشاط أثناء وجودهم في العمل”.

الكسل الطبيعي للبشر أمر خطير، لكن أكبر شر يعاني منه كل من العمال وأرباب العمل هو التجنيد المنهجي soldiering [1]systematic الذي يكاد يكون عامًا في ظل جميع المخططات المعتادة للإدارة والذي يَنتج عن دراسة متأنية من جانب العمال لما يعتقدون أنه سيعزز مصالحهم.

كاريكاتور عن الفاعلية في العمل

كان الكاتب مهتمًا بشدة مؤخرًا بسماع فتى غولف من ذوي الخبرة يبلغ من العمر اثني عشر عامًا يشرح لفتى جديد بحماس واهتمام عن ضرورة السير ببطء والتخلف عن اللاعب عندما يلحق بالكرة، موضحًا له ذلك نظرًا لأنهم يتقاضون أجورهم بالساعة، فكلما ذهبوا أسرع، قل المال الذي يحصلون عليه، وأخبره أخيرًا أنه إذا ذهب بسرعة كبيرة، فإن الأولاد الآخرين سيضربونه.

هذا يمثل نوعًا من التجنيد المنهجي وهو ليس خطيرًا للغاية مع ذلك، لأنه يتم بمعرفة صاحب العمل، الذي بإمكانه تفكيكه بسهولة إذا رغب في ذلك.

ومع ذلك، فإن الجزء الأكبر من التجنيد المنهجي يقوم به العمال بنية مقصودة لإبقاء صاحب العمل جاهلاً بالسرعة التي يمكن أن يُنجز بها العمل.

لهذا السبب فإن التجنيد عالمي، ولا يكاد يوجد عامل كفؤ في مؤسسة كبيرة، سواء كان يعمل باليوم أو بالقطعة، أو العمل بموجب عقد أو بموجب أي من الأنظمة العادية لتعويض العمل، ولا يخصص جزءًا كبيرًا من وقته لدراسة كم يستطيع أن يُبطئ في تأدية عمله ومع ذلك يقنع صاحب العمل أنه يسير بوتيرة جيدة.

سبب ذلك، باختصار، أن جميع أرباب العمل، عمليًا، يحددون الحد الأقصى للمبلغ الذي يشعرون أنه من المناسب أن تكسبه كل فئة من فئات الموظفين يوميًا، سواءً كان عمالهم يعملون باليوم أو بالقطعة.

سرعان ما يكتشف كل عامل ماهية هذا الرقم في حالته الخاصة، ويدرك أيضًا أنه عندما يقتنع صاحب العمل بقدرة العامل على القيام بعمل أكثر مما قام به، سيجد عاجلاً أم آجلاً طريقة لإجباره على القيام بذلك مع زيادة طفيفة أو بدون زيادة في الأجر.

يستمد أرباب العمل معرفتهم عن مقدار ما يمكن إنجازه من فئة معينة من العمل في يوم واحد إما من تجربتهم الخاصة، والتي غالبًا ما تصبح ضبابية مع تقدم العمر، أو من المراقبة العرضية وغير المنتظمة لرجالهم، أو في أفضل الأحوال من السجلات التي يتم الاحتفاظ بها، مع عرض أسرع وقت أنجزت فيه كل مهمة. في كثير من الحالات، يتيقن صاحب العمل بأنه يمكن إنجاز مهمة معينة بشكل أسرع مما هو عليه، لكنه نادرًا ما يهتم باتخاذ الإجراءات الصارمة اللازمة لإجبار الرجال على القيام بذلك في أسرع وقت، ما لم يكن لديه سجل فعلي يثبت سرعة إنجاز العمل بشكل قاطع.

من الواضح أنه يصبح من مصلحة كل عامل، إذن، ألا يتم عمل بشكل أسرع مما كان عليه في الماضي. يتعلم الرجال الأصغر سنًا والأقل خبرة هذا من قبل كبار السن، وتمارس كل وسائل الإقناع والضغط الاجتماعي على الرجال الجشعين والأنانيين لمنعهم من تسجيل أرقام قياسية جديدة تؤدي إلى زيادة أجورهم مؤقتًا، بينما على الآخرين أن يعملوا بجد أكبر مقابل نفس الأجر القديم.

في أفضل عمل يومي من النوع العادي، عندما توثق سجلات دقيقة مقدار العمل الذي يقوم به كل رجل وكفاءته، وعندما يُرفع أجر كل رجل كلما تحسن، ويسرح أولئك الذين يفشلون في الارتقاء إلى مستوى معين، بينما تغطي إمدادات جديدة من الرجال المختارين بعناية شواغرهم في العمل، يمكن حينها تفكيك كل من الكسل الطبيعي والتجنيد المنهجي إلى حد كبير.

كتبها:

فريدريك وينسلو تايلور

 من Shop Management. في سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر، ارتقى تايلور من ميكانيكي إلى كبير المهندسين في شركة Midvale Steel Company، حيث طور لأول مرة ما أسماه “دراسة الوقت”، باستخدام المؤقت لتحديد الاستثمار الكفؤ للعمال والآلات. أصبح من أوائل الاستشاريين الإداريين المتخصصين في العمليات الصناعية. عام 1911 نشر تايلور كتاب مبادئ الإدارة العلمية الأكثر مبيعًا.

ترجمة رافاييل لايساندر


[1] ما يقصده الكتاب بهذا المصطلح أن العمال ينزعون لتبني سرعة موحدة كما يفعل الجنود عندما يتحركون بنسق واحد (المترجم)