يبدو السؤال وهو مرتبط بالمرأة دون الرجل مثيرًا للتأمل فورًا. وكونك هنا يشير أنه لفت انتباهك كمسألة مألوفة لديك ولكنها اختفت لفترة حتى يذكرك بها أحدهم فتقول: آه بالفعل أين ذهبت؟
ينقص السؤال بالطبع كلمة عربية بين قوسين- من المثير للاهتمام تقصي الأمر لدى كل النساء ولكن كون المسألة اجتماعية أكثر منها نفسية -كما سنرى- فهي مقيدة بحدود الواقع الاجتماعي المحلي. من المفيد أيضًا تعريف الطموح، حيث أن الكثير من الرجال والنساء على حد سواء لا يحققون طموحهم في حدوده الخاصة مثل الذي يطمح ليصبح فنانًا وخانته قدرته على الرسم أو الذي يطمح لدراسة الطب ولا يساعده تحصيله..الخ. ولكن بشكل عام يطمح الجميع ليصبحوا ناجحين في الحياة وتحقيق أو إنجاز شيء ما في حياتهم؛ لذلك سنتبنى تعريف معجم أوكسفورد بأنه “الرغبة والإصرار لتحقيق النجاح”. قد تتفاوت درجات هذه الرغبة وتتنوع وجهة النظر حول النجاح بالتأكيد، ولكن، كلٌ حسب رغبته، يريد تحقيقه.
تحدثت سابقًا كيف أن النظام التعليمي العربي بذاته يقف عائقًا أمام تحقيق المرء، سواءً رجل أو امرأة، لطموحاته. لكن يزيد على ذلك أن كل امرأة تتبع مسارًا متطابقًا حتى النقطة التي تتزوج بها أو تنجب طفلها الأول، والأمر ملاحظ بوضوح عبر المراقبة المباشرة ليحتاج لأي تأييد احصائي (أو هل هو كذلك؟).
للبعض كان الطموح هو الزواج وتكوين أسرة، كما تقول بيتي فريدان: “كانت النساء يناضلن من أجل الحصول على تعليم عال، أما الآن فالفتيات يذهبن إلى الجامعة للحصول على زوج” أحد التفسيرات لذلك تقدمها شيريل ساندبرج هي بصياغة عبارة “فجوة الطموح” في حلقة نقاش في المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2012 ، بحجة أن طموح الفتيات قد أحبط منذ الطفولة. تقول: “نحن لا نربي بناتنا لتكون طموحة مثل أبنائنا”.
ساندبرج الأحدث في إبداء هذه الملاحظة، ولكنها ليست الأولى. تعرضت النساء لانتقادات بسبب افتقارهن إلى الطموح بشكل عملي منذ أن قيل لهن إنهن يمكن أن يكن طموحات في المقام الأول. وجدت دراسة أجريت عام 1987 في ولاية بنسلفانيا أن قلة الطموح لدى النساء منعتهن من التقدم إلى كلية الطب. وفقًا لدراسة صدرت عام 1990 في المجلة الأمريكية للعلوم السياسية ، كانت النساء يفتقرن إلى الطموح لدخول المعترك السياسي من الأساس.
ولكن ليست هذه الحال لمعظم النساء في الجامعة. في الواقع، الافتراض الأساسي هو أن جميع الجامعيات طموحات، فلقد التحقوا بجامعة، مما يعني أنهن على الأقل يفكرن بمستقبلهن. وكما هو الحال مع أي مجموعة، هناك درجات متفاوتة من الطموح. هذا واضح في الكلية، حيث تترشح بعض النساء لشغل مناصب في المجلس الطلابي، أو يرأسن منظمات طلابية أو ينشأن أنشطة وحلقات خاصة، بينما تقوم أخريات فقط “بالدراسة”.
مباشرة بعد الكلية، تواصل معظم النساء إظهار علامات الطموح الخارجي. إن تحدثت عن النساء اللواتي أعرفهن أو عرفتهن؛ ذهبت الغالبية من النساء فورًا للحصول على وظيفة أو إكمال درجة الدراسات العليا، أو حتى الاثنين معًا.
لكن كل ذلك يتوقف فجأة عند الزواج، الذي يبدو كنهاية الطريق لكل الطموحات الجامعية. قد يكون السبب طلب الزوج الصريح بامتناع الزوجة عن العمل، أو بالنسبة لمجموعة أخرى كانت الأمومة نهاية مفاجئة للمهن التي كانوا يتابعونها. تركت هؤلاء النساء عملهن فور ولادة أول طفل لهن، على الرغم من أن الغالبية منهن سيقلن أنهن لم يخططن لذلك. الكثير منهن بعد إجازة الأمومة وجدن أنهن ببساطة لا يمكنهن ترك طفلهم مع شخص آخر. أخريات سألن أصحاب العمل عن جداول زمنية مرنة وتم رفضها فاستقالوا. تقول الكثيرات أنهن قمن بتحليل المنافع والمضار بين البقاء في المنزل لرعاية العائلة والعمل وأن الناتج لم يكن إلى جانب حياتهن المهنية – فزوجهن يكسب أكثر مما يفعلن أو أن الروضة أو المربية ستأكل جزءًا كبيرًا من الأرباح، وبالتالي فإن الشيء المعقول الذي ينبغي عمله هو ترك العمل وتصبح مقدمة رعاية متفرغة. البعض ببساطة لا تعجبهن وظائفهن، وكان لديهم أزواج يمكنهم إعالة الأسرة- قد لا تعجب الوظائف الرجال أيضًا ولكنهم مجبرون على البقاء فيها لإعالة العائلة.
تستمر مجموعة أخرى في العمل لكنها تختار الانتقال إلى الوظائف التي أتاحت لها بعض المرونة في الجدول، أو بقيت في وظائف تسمح لها بالمغادرة مبكراً بما يكفي لتكون في المنزل عند عودة الأطفال من المدرسة.

لو أخذنا بعض الأمثلة من الواقع؛ في المنظمة التي أعمل بها هنالك 57 امرأة من أصل 122 موظف. 52 منهن متزوجات و 48 منهن لديهن أطفال. وفي أحد أفرع القطاعات الحكومية هنالك 19 موظفة يشكلن نصف عدد الموظفين منهن 15 متزوجة وكلهن لديهن أطفال.
بالنظر لهكذا إحصاءات سريعة لا يبدو الواقع مظلمًا وسودايًا كما قد أكون أوحيت في بداية المقالة، ولا يبدو أن الزواج أو الأطفال يقفون عائقًا أمام متابعة الطموح. لكن في حالة المنظمة فهي منظمة دولية تصرح حرفيًا في إعلاناتها بأنها “منظمة فرص متساوية تشجع النساء على التقديم للوظيفة”، وتعطي رواتب مجزية جدًا مقارنة بالبقاء في المنزل للرعاية. بالرغم من ذلك، يوجد فقط ست نساء في المناصب الإدارية العليا، 5 منهن غير متزوجات والأخيرة ليس لديها أطفال.
في القطاع الحكومي سابق الذكر يوجد لوائح تنظيمية بأن يكون الكادر مكونًا من 40 في المئة من النساء على الأقل، والوظائف الحكومية بشكل عام تشجع على البقاء بها بسبب الاستدامة والاستقرار وعوائد التقاعد والأمومة وغيره. بالرغم من ذلك لا يوجد أي امرأة في المناصب الإدارية العليا للفرع.
في القطاعات الخاصة الموضوع مشتت ومتنوع بشكل غريب- تجد احيانًا أن كل العاملين هم من النساء المتزوجات… بسبب أن المهنة تعتمد على السيدات الحرفيات مثل الخياطة، في قطاع آخر مثل السياحة والضيافة يكاد يطلب صراحة ودون حياء أن تكون المتقدمات في عمر معين ومن دون عائلة. في كل الأحوال النساء في المناصب الإدارية تكاد تكون معدومة، وعندما ترزق إحدى السيدات بطفل فإنها على الأغلب لا تعود للعمل لأن سياسة إجازة الأمومة غير موجودة عندنا، وفور غياب الموظفة يتم استبدالها.
الزواج والعائلة لا يشكلان عائقًا أمام تحقيق الطموح في ذاتهما بالتأكيد، ولكن لماذا لا يبدو أنهما يشكلان أي مشكلة بالنسبة لطموح الرجال وترفعهم في المناصب؟ وحتى لو خرجنا من إطار التوظيف، لماذا تترك العديد من النساء الكتابة أو الطموح ليصبحن فنانات أو حتى الدراسات العليا بعد الزواج وإنجاب أطفال؟ كيف التوفيق بين كل هذه البيانات المتناقضة على ما يبدو؟
يبدو أن النساء الطموحات اللائي عرفناهن في الكلية تأثرن بفجوة الطموح. لقد حددوا بوضوح الأهداف وطريقًا لتحقيق هذه الأهداف. ولكن خلال مسار حياتهم المهنية تغير شيء ما؛ هل انتقل طموحهن من النجاح في العمل والانجاز إلى تكوين العائلة ربما؟ ستقول بعض الدراسات نعم. وجدت دراسة بين وشركاه أن النساء يدخلن مهنهن بمستوى طموح أعلى من الرجال. لكن في حين أن مستويات طموح الرجال تظل كما هي خلال العامين الأولين على الأقل في الوظيفة ، فإن مستويات النساء تنخفض بنسبة 60 في المائة. في استطلاع أجرته مجلة مور، ذكرت 43 في المائة من النساء اللاتي شملهن الاستطلاع أن طموحهن قد انخفض في السنوات العشر الماضية.
لكن ذلك ليس صحيح تمامًا. عندما تحدثت مع زملاء سابقين اختاروا تقليص وظائفهم أو الانسحاب من حياتهم المهنية، فإنهن لم يظهرن على أنهن أقل طموحًا مما كانوا عليه في الكلية حقيقةً؛ العديد من الأصدقاء يعيشون حياة يفخرون بها. ربما لم تكن هذه هي الحياة التي تصوروها لأنفسهم في الكلية، لكن هذا لم يجعلهن أقل طموحًا. من الواضح أن طموحات هؤلاء النساء لم تتفكك بعد أن أصبحن أمهات، لكن بعضهن اخترن بنشاط مسارات أخرى، أو قاموا بتغيير تعريف الكلمة. لقد رأوا أن الطموح يأخذ أشكالًا متعددة، واحد منها فقط أن تترفع في المناصب الإدارية… الطموح لا يظل في صندوق الأهداف المهنية. تمامًا كما كان يطمح العديد من زملائنا إلى أن يكونوا الأفضل في المجال الذي اختاروه، فقد أراد البعض منهن الآن أن يكن أفضل أم، أفضل شريك…
يبقى السؤال المهم هنا، ماهي نسبة الحرية التي اتخذت فيها المرأة هكذا قرار في تشكيل الطموح؟ وهل تغير مسار الطموح من المهني إلى العائلي هو أمر جيد؟ لست في المكان المناسب هنا للحكم على ذلك ولكن الأمر المؤكد هنا أن الحياة العائلية تفرض على طموح المرأة ما لا تفرضه على الرجل. العائلة مسؤولية ثقيلة على الطرفين في كل الأحوال ولكن في مجتمعاتنا من المسلم به أن يكون طموح المرأة الأول الذي تفنى دونه كل الطموحات الأخرى هو تكوين ورعاية العائلة. وفي حين يحصل الرجل على كل الدعم لملاحقة طموحاته سواءً في الدراسة أو العمل أو الترقي، ينظر لكل هذه الأمور كمسائل جانبية سخيفة تعيق المرأة عن متابعة مسارها الذي “خلقت” من أجله.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.