The picture theory of language
[فلسفة اللغة]
عذبت أسئلة المعنى والمنطق لودفيج فيتجنشتاين طوال حياته، وفي كتابه Tractatus Logico-Philosophicus، طور “نظرية الصورة” للمعنى. تبدأ المقالة بالاقتراح: “الحقائق هي كل ما يشكل القضية”، وتنتهي بالتصريح الشهير: “فيما لا يمكننا التحدث عنه يجب علينا التزام الصمت”. وبين التصريحين، وبخطاب نبوي صعب، يطور فيتجنشتاين مفهومًا للغة والمنطق والعالم، حيث يتكون العالم من تنظيم الأمور البسيطة لحقائق، وتنجح اللغة في تمثيل الحقائق من خلال تصويرها.
يبدو ذلك كبربرة غير مفهومة، أليس كذلك؟
هذا هي القصة بالطريقة السهلة:
طرح فيتجنشتاين على نفسه تساؤلاً مهمًا: كيف يستطيع البشر إيصال الأفكار لبعضهم؟
فكر فيتجنشتاين في هذه المسألة وهو يقرأ خبرًا في الجريدة عن محاكمة حيث طُلب من الأطراف المتنازعة إعادة تمثيل حادث سير باستخدام الألعاب والدمى لرسم صورة واضحة لحيثيات الحادث. ومن هنا كان جوابه أن اللغة تستدعي صورًا معينة في أذهاننا.
برأي فيتجنشتاين فإن الكلمات تمكننا من “صنع صور للحقائق”. عندما أقول لك “برتقالة على الطاولة” فسترى في عقلك الفاكهة البرتقالية، ذات الخصائص المميزة عن الليمون أو التفاح، موضوعة على طاولة. وهنا تكمن النقطة المهمة- تقع المشاكل لأننا لا نستطيع رسم صورة واضحة في أذهان الآخرين عما نعنيه، ولأن تصورات كل شخص لنفس الأمور مختلفة. في المثال السابق، قد أكون عنيت طاولة القهوة بجانب الأريكة، فيما تخيلت طاولة الطعام في المطبخ.
تقع مشاكل التواصل لأنه ليس لدينا تصور واضح للأمور. وتبعًا لذلك، نتحدث عن العديد من الأمور الخالية من المعنى أو المسهبة التي لا تصل لأي شيء في أذهان الآخرين. حدث هذا الأمر الآن في هذه المقالة (وللمفارقة أيضًا، في كتاب فيتجنشتاين السابق الذي يوصف بأنه أحد أصعب الكتب لقراءتها، أبدًا)- قد يكون القسم الأول واضحًا بجلاء بالنسبة لي ويعطي تصورًا واضحًا لقضية ما في ذهني، ولكنه للكثيرين لم يوضح أي شيء.
الخطر الآخر هو تحميل كلام الآخرين الكثير من المعنى الذي لم يقصد له؛ فما يبدو كأمر عادي على لسان أحدهم، قد يحمله الآخر الكثير من المعاني المتسترة ومن ثم يراه كلمز أو احتقار وغيره، ومن هنا طالب فيتجنشتاين أن نكون واضحين أو أن نسكت.
يختلف الناس في تصورهم “للأضرار الجانبية” أو الفاكهة الناضجة، أو الدرجة الصحيحة للأزرق البحري… في الطرفة التالية، يظن الشيخ أن اللغة هي المختلفة فيما الصورة واحدة:
ذهب شيخ في قديم الزمان إلى بلاد أجنبية، وعندما أحس بالجوع دخل السوق وسأل أحد الباعة ماذا يشوي، فقال البائع أنه خنزير. اعترض الشيخ فورًا أنه محرم ولا يستطيع أكله، وسأل بائعًا آخر، وآخر حتى فقد الأمل، وسأل المترجم: ما بال كل طعامكم لحم خنزير؟ فرد المترجم: هو عندنا كالغنم عندكم. “آه، فهمت” رد الشيخ سعيدًا “نأكل منه إذًا”.
لذا فإن نظرية الصورة في اللغة هي محاولة لاكتشاف جوهر اللغة. تقول النظرية في أبسط أشكالها إن وظيفة اللغة هي السماح لنا بتصور الأشياء.
يحرص فيتجنشتاين على التأكيد على أن ما تعنيه الصورة مستقل عما إذا كان تمثيلًا حقيقيًا أم لا. ولكن إذا أمكن للصورة أن تكون مضللة أو كاذبة تمامًا، بحيث لا تصور الحقائق، فماذا تصور؟ يقول فيتجنشتاين أن ما تمثله الصورة موجود في الفضاء المنطقي. لفهم ذلك تخيل أنك ترسم خريطة لموقع معين؛ قد ترسمها ذهابًا إليه أو إيابًا منه وستكون نفس المواقع مرة على يمينك ومرة على يسارك، ولكن في كلتا الحالتين سيكون الرسم صحيحًا.
لفلسفة فيتجنشتاين قيمة عملية مهمة عدا عن قيمتها في فهم اللغة والمعرفة- لماذا تضيع الوقت في الجدل حول القضايا التي لن يتم حلها أبدًا عندما يمكن تفريغ كل شيء بسؤال بسيط: “هل نتحدث أساسًا عن نفس الشيء؟” إذا كنت تكافح للتغلب على الرغبة في تحديد الأشياء بعناية فائقة، أو تجد نفسك تصبح مهووسًا بمعنى الكلمات وتعريفها “الحقيقي”، أو إذا كنت مقتنعًا، مثل العديد من الفلاسفة، بأن وجود كلمة ينطوي منطقيًا على بعض الجوهر الميتافيزيقي، أو الشكل الأفلاطوني، الذي يتوافق مع هذه الكلمة، تذكر أن ما يعطي كلمة معنى هي الخطاب الاجتماعي التقليدي الذي يتم استخدامه فيه. من خلال الالتفات إلى سياقات اللغة العادية التي تعطي الكلمات معانيها، يمكننا تجنب إساءة استخدامها ومحاولة جعلها تعني أشياء لم يقصد أن تعنها.