لا تزال آراء الناس منقسمة بين أولئك الذين يعتقدون أن الكون له بداية، والذين يعتقدون أنه كان موجودًا دائمًا. نميل اليوم إلى البحث عن إجابة في الفيزياء وعلم الفلك، لكن في الماضي كان هذا سؤالًا للفلاسفة وعلماء الدين. الجواب الذي قدمه الكاهن والفيلسوف الكاثوليكي توماس الأكويني، أشهر الفلاسفة المسيحيين في العصور الوسطى، ملفت للاهتمام بشكل خاص، حيث يخبرنا الكثير عن كيفية دمج الأكويني بين إيمانه واستدلاله الفلسفي، على الرغم من تناقضهما الظاهر.
ولد توماسThomas Aquinas حوالي عام 1225 في روكاسكا بالقرب من أكينو في إيطاليا. تلقى تعليمه من قبل الرهبان البينديكتين في مونتي كاسينو ودرس الفنون الحرة في جامعة نابولي. انضم إلى الدومينيكان عام 1244 وواجهة معارضة شديدة من عائلته. درس الفلسفة واللاهوت في باريس وكولونيا على يد الدومينيكاني ألبرت الأكبر، وهو رجل يتمتع بمعرفة هائلة، ثم بدأ في مشروع ضخم للتعليق على أعمال أرسطو.
كان الأكويني تلميذًا مخلصًا لألبرت، والذي سرعان ما أدرك عبقريته. من 1254 إلى 1259 حاضر في باريس، وأصبح أستاذًا متفرغًا عام 1256. خلال العقد التالي بقي الأكويني في إيطاليا، وشغل مناصب مختلفة الرتب في خدمة الباباوات. من عام 1269 إلى 1272 درس لفترة ثانية في جامعة باريس خلال فترة الجدل اللاهوتي والفلسفي النشط، وانتهت مسيرته التدريسية بسبب اعتلال صحته عام 1273. توفي في فوسانوفا في 7 مارس 1274 أثناء سفره إلى ليون للمشاركة في المجلس الذي كان من المقرر أن يوحد الكنائس اليونانية واللاتينية.
أعمال الأكويني، بالرغم من تدوينها كلها في غضون عشرين عامًا، ضخمة جدًا. يمكن القول أنه أنتج 8686577 كلمة. أكثر ما اشتهر به هو توليفته الضخمة من الفلسفة واللاهوت المعروفة بـ: Summacontra Gentiles التي يبلغ حجمها 325000 كلمة، و Summa Theologiae التي يشرح فيها فكره بمزيد من التفصيل (تحديدًا في مليون ونصف كلمة). تحتوي هذه الأعمال الموسوعية، على الرغم من التوجه اللاهوتي، على الكثير من المواد الفلسفية في المنهج والمحتوى. أكثر الأقسام توسعًا فلسفيًا هو سلسلة التعليقات على أرسطو وعدد من الكتيبات التي وضعها أثناء إقامته في باريس لأغراض تعليمية أو جدلية (مثل De Ente et Essentia، وهو عمل غر عن الوجود والجوهر، و De Unit Intellectus الذي يهاجم وجهة نظر ابن رشد أن الجنس البشري له عقلية واحدة، و De Aeternitate Mundi يجادل بأن الفلسفة لا تستطيع إثبات أن الكون له بداية في الزمن).
كتب الأكويني بلغة لاتينية كثيفة وواضحة وعديمة العاطفة، ورغم أن ذوق عصر النهضة أدانها بأنها بربرية، إلا أنها يمكن أن تكون نموذجًا للخطاب الفلسفي. يُشتق هيكل الأقسام الفردية (“المقالات”) من الخلاصة اللاهوتية من طريقة الجدل الأكاديمي. عندما يقدم الأكويني أطروحة معينة، يبدأ بتقديم أقوى الأسباب التي يمكن أن يفكر فيها ضد حقيقتها، وتعتمد الحجج في كثير من الأحيان على تحليل المفاهيم المستخدمة في الاقتراح المطروح للتساؤل. ثانيًا: يتبعها بسبب “sed contre” لصالح الرأي الذي يراه صحيحًا؛ وغالبًا لا يكون هذا أكثر من مثل مألوف أو نص واعظ. ثم يذكر الأسباب الحقيقية لموقفه في المتن المركزي للمقال. أخيرًا، يختتم المقال بالردود على الاعتراضات المذكورة في البداية. ليس من السهل اتباع هذه البنية فورًا، ولكن أي شخص مطلع عليها سرعان ما يدرك أنها توفر نظامًا فكريًا جميلاً.
كانت الخدمة الأولى التي قدمها الأكويني للفلسفة هي جعل أعمال أرسطو معروفة ومقبولة من قبل زملائه المسيحيين، ضد المعارضة المستمرة لعلماء اللاهوت المحافظين مثل بونافنتورا. جعلت تعليقات الأكويني على ترجمات صديقه ويليام موربيك الطلاب في الجامعات الغربية على دراية بأفكار أرسطو الخاصة، وفي كتاباته اللاهوتية أظهر إلى أي مدى كان من الممكن الجمع بين المواقف الأرسطية في الفلسفة والعقائد المسيحية في اللاهوت.. على الرغم من أن موضوعاته وتقنياته الفلسفية الرئيسية هي أرسطوية، لم يكن الأكويني مجرد صدى لأرسطو مثلما كان أرسطو لأفلاطون. بالإضافة إلى العمل على العلاقة بين الأرسطية والمسيحية، يطور الأكويني ويعدل أفكار أرسطو في مجال الفلسفة نفسها.
وبطبيعة الحال ، فإن فلسفة الفيزياء الأكوينية قد عفا عليها الزمن بفعل تقدم العلوم الطبيعية، وأصبح معالجته للمنطق عتيقة بسبب تطور المنطق الرياضي في القرنين التاسع عشر والعشرين. لكن مساهماته في الميتافيزيقيا وفلسفة الدين وعلم النفس الفلسفي والفلسفة الأخلاقية تؤهله لمكانة دائمة في المرتبة الأولى من الفلاسفة. كتب برتراند راسل: “لا يوجد سوى القليل من الروح الفلسفية الحقيقية في الأكويني. إنه، مثل سقراط الأفلاطوني، لم يشرع في متابعة أي مكان قد تؤدي إليه الحجة. قبل أن يبدأ في الفلسفة، فهو يعرف الحقيقة بالفعل؛ أعلن في العقيدة الكاثوليكية. . . . إن العثور على الحجج لاستنتاج مقدم مسبقًا ليس فلسفة، ولكنه مرافعة خاصة”. في الواقع، كانت العديد من الاستنتاجات التي توصل إليها الأكويني جديدة في عصره، وبدا العديد منها مريبًا للغاية للمحافظين. علاوة على ذلك ، فهو شديد التمييز في تقييمه لحجج الآخرين، ولم يؤيد أي حجة لمجرد أنها تدعم موقفًا يقبله هو نفسه. وهكذا، قدم تفنيدًا لحجة أنسيلم حول وجود الرب، ورفض حجج أولئك الذين اعتقدوا أنهم يستطيعون أن يُظهروا بعقلٍ صافٍ أن العالم له بداية في الزمن.
تأثير أرسطو
الشخصية المركزية في تفكير الأكويني هي أرسطو. كان أرسطو على يقين من أن الكون أزلي الوجود. لقد جادل بأن الكون يتغير ويتحرك، ولا يمكن أن يحدث هذا إلا من خلال التغيير والحركة. لذلك لا يمكن أن يكون هناك تغيير أو حركة أولى: لا بد أن الكون يتحرك ويتغير إلى الأبد. كان الفلاسفة العرب العظماء، ابن سينا وابن رشد، على استعداد لقبول وجهة نظر أرسطو، على الرغم من أنها تضعهم على خلاف مع العقيدة الإسلامية. ومع ذلك، كافح المفكرون اليهود والمسيحيون في العصور الوسطى للقيام بذلك. لقد رأوا أنه وفقًا للكتاب المقدس، للكون بداية، لذلك يجب أن يكون أرسطو مخطئًا: لم يكن الكون موجودًا دائمًا. لكن هل كان هذا الرأي شيئًا يجب قبوله بالإيمان، أم يمكن دحضه بالمنطق؟ يعتقد جون فيلوبونوس، وهو كاتب مسيحي يوناني من القرن السادس، أنه وجد حجة لإثبات أن أرسطو على خطأ، وأن الكون لم يكن موجودًا دائمًا. تم نسخ منطقه وتطويره من قبل عدد من المفكرين في القرن الثالث عشر، الذين احتاجوا إلى اكتشاف خلل في منطق أرسطو من أجل حماية تعاليم الكنيسة. كانت حجتهم ذكية لأنها تتخذ من أفكار أرسطو حول اللانهاية نقطة انطلاق، لكنها تحولها ضد نظرته للكون على أنه خالد.
وفقًا لأرسطو، اللانهائي هو ما لا حدود له. على سبيل المثال، تسلسل الأرقام لا نهائي، لأنه لكل رقم يوجد رقم آخر أعلى يتبعه. وبالمثل، كان الكون موجودًا لفترة غير محدودة، لأنه لكل يوم، يوجد يوم سابق. لكن في رأي أرسطو، هذه هي اللانهاية “المحتملة”، لأن هذه الأيام لا تتواجد في نفس الوقت؛ أما اللانهاية “الفعلية”- حيث يوجد عدد لانهائي من الأشياء كلها موجودة في نفس الوقت- فهي مستحيلة.
ومع ذلك، يعتقد فيلوبونوس وأتباعه في القرن الثالث عشر أن هذه الحجة تطرح مشاكل لم يلاحظها أرسطو. يشيرون إلى حقيقة أنه يعتقد أن جميع أنواع الكائنات الحية في الكون كانت موجودة دائمًا. إذا كان هذا صحيحًا، فهذا يعني أنه كان هناك بالفعل عدد لا حصر له من البشر بحلول الوقت الذي ولد فيه أرسطو- لأنهم إذا كانوا موجودين دائمًا، فقد كانوا موجودين في ذلك الوقت. ولكن منذ زمن أرسطو، وُلد عدد أكبر من البشر، وبالتالي فإن عدد البشر المولودين حتى الآن يجب أن يكون أكبر من اللانهاية، مع أنه لا يمكن لأي رقم أن يكون أكبر من اللانهاية. إضافة إلى ذلك يعتقد المفكرون المسيحيون أن أرواح البشر خالدة، وفي هذه الحالة، إذا كان عدد لا حصر له من البشر موجودًا بالفعل، فلا بد من وجود عدد لا حصر له من الأرواح البشرية الموجودة في الوقت ذاته. إذن هناك “لانهائية فعلية” للأرواح، وليس لانهائية محتملة؛ وقد قال أرسطو إن اللانهاية الفعلية مستحيلة. مع هاتين الحجتين، باستخدام مبادئ أرسطو كنقطة انطلاق، كان فيلوبونوس وأتباعه واثقين من أنهم أظهروا أن الكون لا يمكن أن يكون قد وجد دائمًا. وأن أرسطو مخطئ. الكون ليس أبديًا، وهذا يتوافق تمامًا مع العقيدة المسيحية القائلة بأن الله خلق العالم.
الأكويني، مع ذلك، غير مهتم بهذه المحاجة. ويشير إلى أن الكون كان يمكن أن يكون موجودًا إلى الأبد، وأن تلك الأنواع مثل البشر والحيوانات الأخرى ربما كانت لها بداية، وبالتالي يمكن تجنب الصعوبات التي أثارها فيلوبونوس وأتباعه.
على الرغم من دفاعه عن منطق أرسطو، إلا أن الأكويني لا يقبل تأكيد أرسطو بأن الكون أبدي، لأن الإيمان المسيحي يقول غير ذلك؛ لكنه لا يعتقد أن موقف أرسطو غير منطقي- يريد الأكويني إظهار أن الكون له بداية – لكنه يريد أيضًا أن يُظهر أنه لا يوجد عيب في تفكير أرسطو، فيدعي أن معاصريه المسيحيين قد خلطوا بين نقطتين مختلفتين: الأولى هي أن الله خلق الكون، والثانية أن الكون له بداية. شرع الأكويني في إثبات أن موقف أرسطو – أن الكون كان موجودًا دائمًا- يمكن أن يكون صحيحًا، حتى مع قناعة أن الرب خلق الكون.
خلق الأبدية
يبتعد الأكويني عن Philoponus وأتباعه بالإصرار على أنه على الرغم من حقيقة أن الكون له بداية، كما يقول الكتاب المقدس، إلا أن هذه ليست حقيقة ضرورية (لا يمكن إنكارها) على أسس منطقية. خلق الله الكون ببداية، لكن كان بإمكانه بسهولة أن يخلق كونًا أبديًا. إذا خلق الرب شيئًا ما، فهذا الشيء مدين بوجوده بالكامل للرب، لكن هذا لا يعني أنه لا بد أنه كان هناك وقت لم يكن موجودًا على الإطلاق. لذلك من الممكن تمامًا الإيمان بكون أبدي خلقه الله.
ويضرب الأكويني مثالاً على ذلك، بأن هناك قدمًا تركت أثرًا على الرمال وكانت هناك منذ الأبد. على الرغم من أنه لم يكن هناك زمن قبل أن وضع الأثر، إلا أننا لا نزال ندرك أن القدم هي سبب الأثر: ولولا القدم، فلن يكون هناك أثر.
الأكويني والتوفيق بين الفلسفة والدين
يقول المؤرخون أحيانًا أن الأكويني “جمع” المسيحية والفلسفة الأرسطية، كما لو أنه أخذ الأجزاء التي يريدها من كل منهما وجعلها مزيجًا سلسًا. في الواقع، بالنسبة للأكويني – كما هو الحال بالنسبة لمعظم المسيحيين – يجب قبول جميع تعاليم الكنيسة، دون استثناء أو حل وسط. اعتقد الأكويني أن أرسطو، إذا فهم بشكل صحيح، لا يتعارض مع التعاليم المسيحية. السؤال عما إذا كان الكون موجودًا دائمًا هو الاستثناء الذي يثبت القاعدة. في هذه الحالة بالذات، يعتقد الأكويني أن أرسطو كان مخطئًا، لكنه لم يكن مخطئًا من حيث المبدأ أو في تفكيره. ربما كان الكون موجودًا حقًا إلى الأبد، على حد علم الفلاسفة القدماء. كان الأمر فقط هو أن أرسطو، الذي لم يكن لديه إمكانية الوصول إلى الوحي المسيحي، لم يكن لديه طريقة للجزم في المسألة.
يعتقد الأكويني أن هناك عددًا من المذاهب الأخرى المركزية للمسيحية التي لم يعرفها الفلاسفة القدامى ولا يمكن أن يعرفوها – مثل الاعتقاد بأن الرب ثالوث مكون من ثلاثة أقانيم، وأن أقنوم واحد من الثالوث، هو الابن ، أصبح إنسانًا. لكن في رأي الأكويني، عندما يفكر البشر بشكل صحيح، لا يمكنهم الوصول إلى أي استنتاج يتعارض مع العقيدة المسيحية. هذا لأن كلا من العقل البشري والتعليم المسيحي يأتيان من نفس المصدر – الرب – وبالتالي لا يمكن أن يناقضا بعضهما البعض. درس الأكويني في الأديرة والجامعات، وفكرة أن العقل البشري لا يمكن أبدًا أن يتعارض مع العقيدة المسيحية غالبًا ما جعله في صراع شرس مع بعض معاصريه الأكاديميين، وخاصة أولئك الذين تخصصوا في العلوم.
كيف نكتسب المعرفة
يحافظ الأكويني على هذه المبادئ طوال عمله، لكنها واضحة بشكل خاص في مجالين أساسيين من فكره: روايته لكيفية اكتساب المعرفة ومعالجته للعلاقة بين العقل والجسد. وفقًا للأكويني، يكتسب البشر المعرفة من خلال استخدام حواسهم: البصر، والسمع، والشم، واللمس، والتذوق. ومع ذلك، فإن هذه الانطباعات الحسية تخبرنا فقط عن طبيعة الأشياء بشكل سطحي. على سبيل المثال، من المكان الذي يجلس فيه سالم، لديه انطباع بصري عن كائن على شكل حصان، وهو بني وذو أربع أرجل. من ناحية أخرى، يقف زيد بجانب الحصان، ويمكنه أن يشعر بوبره ويشم رائحته. إذا كان زيد وسالم قطين فإن معرفتهما بالشجرة ستقتصر على هذه الانطباعات الحسية. ولكننا كبشر نستطيع تجاوزها وفهم ماهية الحصان بطريقة عقلانية، وتحديد أنواع الكائنات الحية. يسمي الأكويني هذا الأمر “المعرفة الفكرية”، لأننا نكتسبها من خلال استخدام القوة الفطرية لعقلنا لاستيعاب، على أساس الانطباعات الحسية، الواقع الكامن وراءها. تفتقر الحيوانات بخلاف البشر إلى هذه القدرة الفطرية، ولهذا السبب لا يمكن لمعرفتهم أن تتجاوز الحواس. كل فهمنا العلمي للعالم قائم على هذه المعرفة الفكرية. تدين نظرية المعرفة لدى الأكويني بالكثير لأرسطو، على الرغم من أنه يوضح ويفصل في تفكير الأخير. بالنسبة إلى الأكويني، كمفكر مسيحي، فإن البشر ليسوا سوى نوع واحد من الأنواع المختلفة للكائنات القادرة على معرفة الأشياء فكريًا: النفوس المنفصلة عن أجسادها في الحياة الآخرة، والملائكة، والرب نفسه يمكنه أيضًا أن يفعل ذلك. لا يتعين على هذه الكائنات المعرفية الأخرى اكتساب المعرفة من خلال الحواس. يمكنهم فهم تعاريف الأشياء مباشرة. هذا الجانب من نظرية الأكويني ليس له مثيل لدى أرسطو، لكنه تطور متماسك لمبادئ أرسطو. مرة أخرى، أصبح الأكويني قادرًا على التمسك بالمعتقدات المسيحية دون مناقضة أرسطو، وإنما تجاوزه.
الروح البشرية
وفقًا لأرسطو، العقل هو مبدأ الحياة أو “الروح” للإنسان. يعتقد أن كل الكائنات الحية لها روح، مما يفسر قدرتها على مستويات مختلفة مما يسميه “نشاط الحياة”، مثل النمو والتكاثر للنباتات؛ والتحرك واستشعار الخطر لدى الحيوانات؛ والتفكير لدى لبشر. يعتقد أرسطو أن “المُثل” هي ما يجعل المادة الشيء الذي هي عليه. داخل جسد الإنسان، هذا المثال هو الروح، التي تجعل الجسد كائنًا حيًا من خلال إعطائه مجموعة معينة من أنشطة الحياة. على هذا النحو، فإن الروح مرتبطة بالجسد، ولذا يعتقد أرسطو أنه حتى في حالة البشر، فإن روح الحياة تبقى فقط طالما أنها تحيي الجسد، وعند الموت تموت. يتبع الأكويني تعليم أرسطو حول الكائنات الحية وأرواحها، ويصر على أن الإنسان له مثال واحد فقط هو عقله. على الرغم من أن المفكرين الآخرين في القرنين الثالث عشر والرابع عشر قد تبنوا أيضًا الخطوط الرئيسية لوجهة نظر أرسطو، إلا أنهم قطعوا الصلة التي أقامها أرسطو بين العقل والجسد، حتى يتمكنوا من استيعاب التعاليم المسيحية بأن الروح البشرية تنجو من الموت. لكن الأكويني يرفض تشويه موقف أرسطو؛ مما صعب عليه أن يجادل من أجل خلود الروح البشرية.
أثره
لم يُنظر إلى الأكويني في حياته ولا لفترة طويلة بعد وفاته على أنه مفكر كاثوليكي فريد من نوعه. بعد ثلاث سنوات من وفاته، أدانت السلطات الكنسية في باريس وأكسفورد عددًا من الافتراضات التي تشبه المواقف التي كان يؤيدها، ومر نصف قرن قبل أن يُنظر إليه عمومًا على أن أفكاره سليمة لاهوتياً. حتى بعد تقديسه عام 1323، لم يتمتع، حتى ضمن رهبنته، بالمكانة الخاصة التي منحها له الكاثوليك في الآونة الأخيرة.
في زمانه، عندما كانت ترجمات الفلسفة اليونانية تُنقل من العربية، كاملة مع التعليقات العربية، كان أحد المفكرين الأكثر حرصًا على اتباع مسار أرسطو في التفكير الفلسفي، حتى عندما لا يتناسب تمامًا مع العقيدة المسيحية. لقد ظل دائمًا مخلصًا لتعاليم الكنيسة، لكن هذا لم يمنع فكره من أن يُدان كهرطقة بعد وقت قصير من وفاته. كان المفكرون والمعلمون العظماء في القرن التالي، مثل الفيلسوف هنري غينت والفرنسيسكان جون دونس سكوت وويليام أوكام، أكثر استعدادًا لقول أن التفكير الفلسفي البحت، كما يمثله أرسطو على أفضل وجه، هو غالبا مخطئ. اعتقد سكوت أن النظرة الأرسطية للروح لدى الأكويني كانت غير كافية، ورفض أوكام تفسير أرسطو للمعرفة بالكامل تقريبًا. انتقد هنري غينت صراحة وجهة نظر الأكويني القائلة بأنه كان بإمكان الرب خلق كون أزلي، فإذا كان موجودة دائمًا، فلن تكون هناك إمكانية لعدم وجوده، وبالتالي لن يكون الرب حراً في خلقه أو عدم خلقه.
في القرن التاسع عشر، منحه البابا لاون الثالث عشر، في رسالة عامة، مكانة مرموقة باعتباره اللاهوتي الأول في الكنيسة، وفي القرن العشرين قدم البابا بيوس العاشر تكريمًا مماثلاً لفلسفته. أضر هذا التأييد الكنسي بسمعة الأكويني خارج الكنيسة الكاثوليكية بدلاً من أن يساعدها.