كثيرًا ما نكون مخطئين، والاعتراف بأنك قد تكون مخطئًا هو جزء كبير من كونك مفكرًا حقيقيًا. هنا يأتي التواضع الفكري وهو ببساطة الاعتراف بأن الأشياء التي تؤمن بها قد تكون خاطئة في الواقع.
لا يتعلق الأمر بنقص الثقة أو احترام الذات. بدلاً من ذلك، إنها طريقة تفكير. يتعلق الأمر باعتبار احتمالية أنك قد تكون مخطئًا والانفتاح على التعلم من تجارب الآخرين. التواضع الفكري هو أن تكون فضوليًا حيال نقاطك العمياء، مثلما يفعل العلماء عند اختبار تجاربهم ونظرياتهم.. يتعلق الأمر بسؤال: ما الذي فاتتني رؤيته؟
كتب الفيلسوف الفرنسي ميشيل دي مونتين، أن “طاعون الإنسان هو الغرور بمعرفته”.
عندما تسأل مُثقفًا متكبرًا عن احتمال خطأه، سينفي ذلك بغضب، رغم أن احتمالية ذلك ستكون معتبرة في أي وقت وفي أي مسألة. أما المتواضعون فكريًا فهم أكثر عرضة للاعتراف بخطئهم واحتمالية وجود الخطأ بالأساس. عندما نعترف بأننا مخطئون، يمكننا الاقتراب أكثر من الحقيقة.
بينما يقوم معظم الفلاسفة بإجراء تعديلات طفيفة على حججهم لتصحيح أخطاءهم، يأتي آخرون بتحولات كبيرة في تفكيرهم. هنا، لدينا أربعة فلاسفة تراجعوا عما قالوه سابقًا بطرق جذرية في كثير من الأحيان.
Ludwig Wittgenstein

لعل أكثر التراجعات الفكرية جذرية تعود لفيتجنشتاين. الفيلسوف النمساوي الذي نشر كتابًا واحدًا خلال حياته: Tractatus Logico-Philosophicus.
يجادل في هذا الكتاب أنه عندما نتواصل مع شخص آخر، فإننا نستخدم الكلمات لوضع “الصور” في أذهانهم. عندما أكتب “كأس عصير الليمون به مكعبان من الثلج”، يمكنك أن تتخيل ما أعنيه واضحًا إلى حد ما، إذا استخدمت الكلمات الصحيحة. يؤيد الكتاب أيضًا الوضعية المنطقية وحل بعض المشكلات التي كانت موجودة، والتي كانت دائرة فيينا للفلسفة مسرورة بها.
كان فيتجنشتاين فخورًا بكتابه وكان مقتنعًا بأنه حل مشكلة الفلسفة عن طريق اختزال جميع المشكلات إلى دلالات، وتقاعد عن الكتابة حيث لم يعد هناك مشاكل فلسفية لحلها، لكنه غير رأيه بشأن ذلك في وقت لاحق.
بعد وفاته نُشر كتابه الآخر: “تحقيقات فلسفية” الذي يعبر عن أفكار راودته في الجزء الأخير من حياته، وغالبًا ما تتناقض بشكل مباشر مع عمله المبكر. بل إنه كتب في أحد فصول الكتاب أن “مؤلف كتاب Tractatus كان مخطئًا”.
يجادل فتغنشتاين في “التحقيقات” بأن اللغة عبارة عن سلسلة من الألعاب. عندما نتحدث إلى شخص آخر، فإننا نستخدم كلمات معينة لنقل معنى معين. الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يفهمونا بها هي أ يتعملوا القواعد التي نلعب بها حاليًا وكيف يتم استخدام الكلمات بالضبط فيما يتعلق بهذه القواعد.
على سبيل المثال، إذا قلت “إنه صندوق ثرثرة حقًا”، فقد أكون أتحدث ساخرًا، أو حرفياً، أو كذبًا. عليك أن تعرف ما هي “اللعبة” التي نلعبها حتى تفهمني تمامًا. هذا بعيد كل البعد عن نظرية الصورة في Tractatus.
Robert Nozick

روبرت نوزيك فيلسوف أمريكي كتب عن طيف واسع جدًا من المواضيع، وهو معروف بمغامرته الوحيدة في الفلسفة السياسية: “الفوضى والدولة واليوتوبيا”. في ذلك الكتاب، يدافع عن دولة تقوم بالحد الأدنى من الحوكمة ولا تنتهك أبدًا الحريات الشخصية. وفي مرحلة ما، يناقش كيف تتشابه ضريبة الدخل مع العبودية، حيث يدفع العامل جزء من أجرة جهده للدولة رغمًا عنه.
في كتابه الأخير ذو العنوان المستوحى من سقراط: The Examined Life، يناقش نوزيك مواضيع متفرقة من الجنس إلى الموت وحتى السياسة. يتأمل في كتابه السابق ويصرح بأن “الموقف التحرري الذي عرضته يبدو لي الآن غير ملائم بشكل خطير، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه لم يربط تمامًا الاعتبارات الإنسانية والأنشطة التعاونية المشتركة”.
تعديلاته على مواقفه السابقة دقيقة لكنها ملحوظة. إنه لا يغير موقفه بشكل جذري ولكنه يعترف بمشاكله. إنه يؤيد فكرة أن الدولة يمكن أن تحظر التمييز ضد مجموعات قد تصبح متضطهدة من دول الدولة، ويعترف بأن تحقيق الحرية الشخصية قد يتطلب جهدًا جماعيًا إلزاميًا، ينتج عن استخدام الضرائب أو التبرع الإلزامي للجمعيات الخيرية المحددة كوسيلة لضمان استمرار المجتمع في العمل.
بينما أكد في مقابلات لاحقة للقراء أنه لم يتخل عن الليبرتارية، فقد تخلص من بعض آراءه الأكثر تشددًا مع تقدمه في العمر.
Jean-Paul Sartre

كان سارتر أحد العقول الرائدة وراء الوجودية في القرن العشرين. كتب العديد من الكتب والمقالات والكتب والمسرحيات التي تصف طريقة تفكيره وكيف يمكننا التعلم منها.
يعرّفنا سارتر في أعماله الأولى على فكرة حريتنا المطلقة. في حين أنه يعترف بأننا مقيدون ببعض الظروف المادية والاجتماعية ، فإنه يضعنا مسؤولين تمامًا عن أنفسنا ويعلن أننا “محكوم علينا بأن نكون أحرارًا”. يتجسد هذا النوع من الحرية الراديكالية في الشخص الذي يفهم أنه وحده المسؤول عن اختياراته ويعرف أن لديهم قيودًا قليلة على ما يمكنهم اختيار القيام به.
بينما كان يعترف دائمًا بوجود حدود اجتماعية واقتصادية ومادية لحريتنا، أصبحت الحدود التي أقر بها أكثر مع مرور الوقت ومقيدة بشكل أكبر. كان هذا جزئيًا بسبب تأثير شريكة حياته سيمون دي بوفوار وارتباطه المتزايد باليسار الفرنسي.
تعتبر تغييراته أقل تحولًا جذريًا في تفكيره وأكثر تطورًا في فهمه للجانب العملي لعمله. ومع ذلك، مع زيادة فهمه لكيفية ازدياد القيود الاجتماعية والاقتصادية على حريتنا في الاختيار، بدأ في التوقف عن التعريف بنفسه على أنه وجودي خالص وأعلن صراحة أنه كان دائمًا لاسلطويًا.
Antony Flew

كان أنتوني فلو أحد أهم المساهمين في القرن العشرين في الجدل الفلسفي حول وجود الرب، وكان غزير الإنتاج بشكل ملحوظ. أحب خوض المعارك والنقاشات الفكرية، ودافع عن معتقداته بضراوة وحماس، وقد أدت خبرته كفيلسوف تحليلي إلى شحذ قدراته على المجادلة المنطقية. نُظر إلى فلو على نطاق واسع على أنه الوريث الفلسفي لبرتراند راسل في نطاق نقد اللاهوت.
لم يمنعه هذا الإرث من أن يغير رأيه بشأن الإيمان بالرب في سنواته الأخيرة. كانت هناك قصص إخبارية مغرية تشير إلى أن أحد أبرز الملحدين في العالم قد أصبح مسيحيًا الآن، لكن فلو أوضح أنه لم يصبح مسيحياً؛ بل انتقل من الإلحاد إلى شكل من أشكال “الربوبية”. من الخطأ الادعاء بأن فلو اعتنق الإيمان الكلاسيكي بأي شكل جوهري؛ بل بالأحرى، قد توصل إلى الاعتقاد فقط بوجود نظام ذكي خلف الكون. لم يكن يعتقد أن هذا “الكائن” له أي قوة أخرى في الكون، وحافظ على معارضته للغالبية العظمى من المواقف العقائدية التي تتبناها الديانات العالمية، مثل الإيمان بالآخرة، أو الإله الذي يتدخل في شؤون الكون بشكل آني، ويدافع عن فكرة “إله أرسطو”.
أوضح فلو أنه، مثل سقراط، قد اتبع الأدلة ببساطة، والأدلة الجديدة من العلم واللاهوت الطبيعي جعلت من الممكن تطوير الإيمان بشكل عقلاني في موجود ذكي هو الذي أنشئ الكون.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.