فكرة هذه التجربة الفكرية من فصل “عن المعجزات” من كتاب “مبحث في الفاهمة البشرية” لديفيد هيوم. تقول القصة:
في مكان ما في المحيط الهادئ توجد جزيرة نائية ومعزولة يبدو أن الزمن نسيها، فطبيعتها مازالت برية عذراء، وسكانها من البشر بدائيون بدائية عصر الكهف، مكتفون بذاتهم، ولم يغزهم أو يزعجهم أحد فبقوا على مهم عليه منذ أول الزمن، تمنعهم الحكايات والأساطير المرعبة عن التجرأ على مغادرة الجزيرة.
قرر أمير هذه القبيلة أخيرًا المغامرة ورؤية ما في العالم خارج الجزيرة. ولخطورة الأمر، وعدم جدواه في نظر البقية، أبحر وحده في زورق صغير، ليعود بعد عام كامل خالي الوفاض سوا من الحكايات والأخبار عن العالم الآخر.

من بين ما رواه، أنه رأى الناس يدخلون في جوف وحوش صلبة تنقلهم من مكان لآخر بسرعة البرق، ووحوشٍ أكبر تطير بالعشرات منهم في السماء، وأشياء مذهلة أخرى كثيرة.
كان في قرية البدائيين امرأة حكيمة وذكية تدعى زوما يرجع لها أبناء الجزيرة على الدوام. عندما سمعت أخبار الأمير عن السيارات والطائرات لم ترد أن تحرجه أمام أبناء القبيلة لكنها لم تصدق كلمة واحدة مما قال، فذلك يتناقد مع كل ما تعرفه. وهي لم تصدق أولئك الذين أخبروها عن تنانين طائرة، أو وحوش البحر العملاقة، فلماذا تصدق الآن هذه الأخبار عن وحوش يركبها الناس وتطير بهم؟

تأملات في التجربة
كيف يمكن أن تكون زوما على حق في حين أنها كانت مخطئة بشكل واضح؟ نحن نعلم أن قصة الأمير عن السيارات لم تكن خيالًا مثل حكايات التنانين، ولكنها وصف حقيقي لسيارات وطائرات اليوم.
كانت زوما محقة بمعنى أننا في بعض الأحيان مخطئون للأسباب الصحيحة. خذ على سبيل المثال كتب الثراء السريع. ستعد هذه الكتب القراء بثروات ضخمة مقابل القليل من العمل. نظرًا لأن هذه عمليات احتيال تقريبًا بدون استثناء وسيستغرق الأمر وقتًا طويلاً للتحقق من صحة كل منها، فإن المسار العقلاني الوحيد هو تجاهلها جميعًا. ومع ذلك، هذا يعني أنه من الممكن أن تتجاهل يومًا ما فرصة حقيقية وتتخلى عن ثروة كبيرة. لن يكون هذا الكتاب تحديدًا احتياليًا، ولكن بمعنى مهم، كنت لا تزال تفكر بشكل صحيح عندما توصلت إلى أنه من المحتمل أن يكون كذلك.
نفس النقطة العامة تنطبق على زوما. لا ينبغي أن نصدق كل ما يقال لنا عن كيفية عمل العالم الطبيعي. عندما يخبرنا الناس أنه بإمكانهم التحليق، أو تحريك الأجسام بأذهانهم، أو لديهم معرفة بالمستقبل. يجب أن نكون متشككين بحق. تخبرنا تجربتنا السابقة أن مثل هذه الأحداث لا يمكن أن تقع، وأن جميع الادعاءات السابقة بحدوثها إما تفتقر إلى الأدلة لدعمها أو ثبت أنها احتيالية. لا نحتاج إلى الاعتقاد بأن أولئك الذين يدعون الادعاءات هم أنفسهم محتالون: فقد يكونون ببساطة مخطئين أو يبنون ادعاءاتهم على منطق سيء.
ومع ذلك، تكمن المشكلة في أنه في بعض الأحيان يأتي شيء ما بشكل حقيقي ويجبرنا على إعادة النظر فيما اعتقدنا أننا نعرفه. لا يمكننا رفض فكرة لمجرد أنها لا تتناسب مع معتقداتنا الحالية. بدلاً من ذلك، نحن بحاجة إلى أسباب وجيهة جدًا للقيام بذلك، لأن ما هو ثابت ومؤسس يجب أن يكون له وزن أكبر مما يطالب به فرد أو مجموعة صغيرة والتي تتعارض معه.
هذا هو المكان الذي تواجه فيه زوما مشكلة. شهادة شخص واحد، حتى لو كان أمير القبيلة، ليست قوية بما يكفي لتناقض ما تعرفه عن العالم الطبيعي، حيث لا تنقل الوحوش الناس وتطير بهم. ومع ذلك، يجب عليها أيضًا أن تقبل أنها لم تذهب إلى هذه الأماكن خارج الجزيرة، على عكس الأمير. لذلك فإن تجربتها الخاصة محدودة، لكنها لا تملك إلا كلمة الأمير حول ما يكمن خارج الجزيرة. برفضها تصديقه، هل جعلت حدود معرفتها ضيقة للغاية؟ أم كونها مخطئة هذه المرة هو ثمن عدم كونها ساذجة ومخطئة في العديد من المواقف السابقة؟
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.