التصنيفات
فنون موسيقا

الموسيقى الكلاسيكية ليست نخبوية

ولكن بعض منتقديها نخبويون

لقد جلبت السنوات الأخير الكثير من الأمور الجديدة علينا جميعًا، ولكن ما لم أتوقعه كان هجومًا شاملاً على بيتهوفن وسيمفونيته رقم 5؛ العمل السمفوني الذي ربما يكون الأكثر شهرة وشعبية في كل العصور. بعيدًا عن القضايا المحددة المتعلقة ببيتهوفن، تزعجني مزاعم “النخبوية” في الموسيقى الكلاسيكية، جزئيًا لأنه يبدو من الغريب اتهام مؤسساتنا الموسيقية بالنخبوية فيما هي على وشك الانهيار، وجزئيًا بسبب أن ادعاءات النخبوية ببساطة ليست صحيحة.

كتب نيت سلون وتشارلي هاردينغ في Vox: “منذ العرض الأول للسمفونية عام 1808″، فسر الجمهور التقدم في السمفونية الخامسة، من الافتتاح المنذر بالسوء إلى الخاتمة الرئيسية الحاسمة لحركته الرابعة، “كاستعارة لمرونة بيتهوفن الشخصية في وجه الصمم القادم، ولكن بالنسبة للبعض في المجموعات الأخرى – النساء، LGBTQ +، الأشخاص الملونون- قد تكون سمفونية بيتهوفن في الغالب بمثابة تذكير بتاريخ الموسيقى الكلاسيكية من الإقصاء والنخبوية”.

ويستمران بالقول:

“اليوم، لا تزال بعض جوانب الثقافة الكلاسيكية تدور حول مراقبة من يدخل ومن يخرج. عندما تدخل إلى قاعة حفلات عادية، هناك مجموعة ثابتة من الأعراف وآداب السلوك (“لا تسعل!” ، “لا تزعق!” ، “ارتدِ ملابس مناسبة!”) يمكن أن يبدو ذلك ذو صلة بإظهار الانتماء بقدر تقدير الموسيقى”.

ولكن لا يبدو أن هناك أوركسترا واحدة تعمل في الولايات المتحدة لديها قواعد للباس جمهورها- على الأقل لم يتم الكشف عن أي شيء من خلال البحث على غوغل. إلى جانب ذلك، فإن مجرد وجود المعايير السلوكية ليس مؤشرًا على التفرد أو النخبوية – في النهاية، أليس من الطبيعي تقليل الهتاف والسعال أثناء الأفلام أيضًا؟

مقال آخر، نُشر في نهاية الأسبوع الماضي في Slate، يجد نوعًا أكثر ذكاءً من الأدلة على النخبوية في الموسيقى الكلاسيكية. وفقًا للمؤلف كريس وايت، الأستاذ المساعد في UMass Amherst، بالإشارة إلى بعض الموسيقيين بالاسم الأخير فقط (بيتهوفن، موزارت، باخ) بينما يشير إلى الموسيقيين الأقل شهرة بالاسم الأول والأخير (فلورنسا برايس، كلارا شومان، آمي بيتش)، “لقد أنشأ تاريخ الموسيقى نظامًا هرميًا، سواء وجدته مفيدًا أم لا، يمكن اعتباره الآن قديمًا وضارًا. . . [و] باستخدام الأسماء الكاملة للجميع، يمكننا التركيز بشكل أكبر على موسيقاهم بدلاً من التركيز على الممارسات الثقافية السابقة التي رفعت من شأن الرجال البيض على حساب أي شخص آخر”.

لذلك، باتباع منطق وايت، فإن مؤلفي Vox، من خلال الإشارة مرارًا وتكرارًا إلى بيتهوفن وليس مرة واحدة إلى لودفيج فان بيتهوفن، يواصلون “الممارسة البغيضة المتمثلة في الاحتفاظ بأحادية الألقاب”. عارٌ عليهم، على ما أعتقد.

ولكن بالطبع هذا مجرد شيء نفعله للأشخاص المشهورين للغاية. لست بحاجة للقول أبراهام لينكولن أو رافائيل نادال باريرا أو شيريلين سركيسيان أو كانيه عماري ويست. يكفي أن نقول لنكولن أو نادال أو شير أو كانيه. لا سمح الله أن علي أكتب يوهانس كريسوستوموس وولفجانجوس ثيوفيلوس موزارت في كل مرة أريد أن أذكر فيها موزارت.

يبدو أن فكرة وايت “للاسم الكامل” -وهي كلمة مخترعة لحملته الصليبية المخترعة- تنتمي إلى قسم الدراسات الاجتماعية في مدرسة متوسطة أكثر من قسم الموسيقى في إحدى الجامعات. يوهان سيباستيان باخ مقابل باخ. لقد فهمنا النقطة. ليبدو الإصرار على الأسماء الكاملة للجميع متغطرسًا بعض الشيء، ومزعجًا، ومملًا، وأجرؤ على القول… نخبوي؟

أتحدث كثيرًا باسم الموسيقى نفسها، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن مجال علم الموسيقى وأقسام الموسيقى في الجامعات والكليات قد تخلوا تمامًا عن التظاهر بالعناية والحب للموسيقيين مثل باخ وبيتهوفن وبرامز- الموسيقيون الذين، بفضل جمال إبداعاتهم وقوتها، يجذبون الأطفال إلى الموسيقى في المقام الأول ويستمرون في تحريك الجماهير في جميع أنحاء العالم. أعتقد أيضًا أنه من المهم التأكيد على عالمية هذه الموسيقى لكسر الأساطير حول كون الموسيقى الكلاسيكية “نخبوية” أو، حتى الأمر الأغرب “للنخبة”. أدرك أيضًا أن هذه الأساطير لا تنشرها عامة الناس القليلة المعرفة، ولكن من قبل محاربيي السدادة السياسية الدجالين الذين يتنكرون في صورة مثقفين رفيعين ولديهم الكثير من المعرفة لدرجة أنهم يتطلعون ببهجة ليس فقط إلى تقييد نظامنا الموسيقي ولكن لفرض نظامهم علينا. قد يفكر الكتاب مثل سلون وهاردينغ في أنفسهم على أنهم مناهضون للنخبة ويعارضون “حراسة البوابة”، لكنهم في الواقع يقومون ببناء بوابات جديدة بأنفسهم – حيث يحذرون الجمهور من الروايات الشريرة للطبقة والعرق التي يُفترض أنها تمر عبر الموسيقى الكلاسيكية .

لقد أمضيت فترة طويلة في الموسيقى (طوال حياتي) لأرى القوة التي تتمتع بها الموسيقى الرائعة على الأشخاص الذين ليس لديهم خبرة في استخدامها. خذ الأطفال على سبيل المثال: إنهم لا يعرفون شيئًا عن ذلك، وليس لديهم خلفية فيها، لكنهم يقعون في حب الصوت المحض، وغالبًا ما يتوسلون لآبائهم للسماح لهم بالعزف على آلة موسيقية. هذا ما حدث لي عندما سمعت التشيلو لأول مرة في سن الثالثة ، وصار من وقتها رفيق حياتي.

ويمكن أن تؤثر شرارة الموسيقى على البالغين أيضًا. لقد قدمت أكثر من نصيبي العادل في جر الناس إلى قاعة الحفلات الموسيقية الذين لن يذهبوا أبدًا في المعتاد، ومشاهدة حياتهم تتغير بتجربة سحرية واحدة. أتذكر صيف 2012 في ريف فرجينيا حيث عملت كالعازف الأول لتشيلو المايسترو العظيم الراحل لورين مازل في مهرجان كاسلتون. لقد أصبحت صديقًا لنجار محلي في الستينيات من عمره يحتسي القهوة في المتجر العام. كان خائفًا من الحضور إلى أداء كارمن لأنه لا يعرف شيئًا عن الموسيقى وشعر أنه لن “يفهمها”. لكنني أقنعته بالمجيء: أخبرته أنه إذا لم يعجبه، فإن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أنه كان سيضيع إحدى الأمسيات. متجاوزًا “الإعجاب”، بكى الرجل على المقطوعة. ولد له شغف جديد في ذلك اليوم، وفي المواسم القليلة التالية حضر كل أوبرا، وحفل موسيقي، وحفل سيمفوني حتى وفاته في الربيع الماضي. كان يخبرني دائمًا كم كانت حياته أكثر ثراءً بالموسيقى وكيف تمنى أن تكون معه منذ سن مبكرة.

عندما أفكر في قدرتنا على حب الموسيقى -حتى في أول جلسة استماع- أتذكر أيضًا الوقت الذي كنت فيه في قطر قبل بضع سنوات وأنا أتدرب على مقدمة Wagner’s Tannhaüser. وضعت الأوركسترا مقطعًا من البروفة على الإنترنت، وكنت أشاهدها في ذلك المساء عندما جاء عامل فندق فلبيني لتقديم خدمة ترتيب الأسرّة. لم يكن يتحدث الإنجليزية جيدًا، لكننا دخلنا في محادثة. أشرت إلى جهاز iPad الذي كنت أستخدمه لتشغيل الفيديو، ووضعت جزءًا من العرض حيث تعزف النحاسيات موضوعًا ضخمًا ونبيلًا مهيبًا، والكمان يكاد يقاوم، مثل انتفاضة ضد النحاسيات- إنها مثيرة، قطعة لا تنسى. أخبرني العامل أنه لم تسنح له الفرصة أبدًا لسماع أي موسيقى كلاسيكية في حياته، ومع ذلك وجد نفسه يبكي بنهاية المقطع. لا أعرف ما إذا كان قد سمع نوتة واحدة من الموسيقى الكلاسيكية منذ اجتماعنا. ولكن فيما يتعلق بقوة الموسيقى، فإن تلك اللحظة القصيرة تتحدث عن نفسها.

هذه ليست حكايات معزولة. الموسيقى الرائعة لديها القدرة على أسر أي شخص يسمعها. لا تحتاج إلى تعليم أو ثروة لتتأهل كشخص يقدر ذلك. قد تكون هذه حقيقة يصعب ابتلاعها بالنسبة للتنويرين الصليبين المناهضين للثقافة. يتظاهر هؤلاء الأيديولوجيون البائسون بأن لديهم السلطة لإخبار الملايين من المستمعين المطمئنين، الذين يحبون الموسيقى بكل بساطة، أنهم جميعًا متعلمون بشكل سطحي، كيف يمكنك التفكير بسذاجة أنه من الجيد أن تحب بيتهوفن، وأن تناديه بـ “بيتهوفن” فقط. هذه هي النخبوية حقًا!

بالنسبة للجمهور، الموسيقى هي أكثر الفنون ديمقراطية. هي ليست نخبوية ولم تكن كذلك منذ عقود- بفضل الراديو والتسجيلات، وخاصة خلال الوقت الذي بالكاد توجد فيه الموسيقى الحية ويتم كل شيء من منازلنا وهواتفنا الذكية. ما هو نخبوي هو زائف فكري زائف يدعو إلى أجندة أخلاقية وسياسية مصطنعة. فكرة أن الموسيقى الكلاسيكية نخبوية أخبار كاذبة. الآن، لنستمع إلى سمفونية بيتهوفن الخامسة.

كتبها:

Daniel Lelchuk

موسيقي ومقدم برنامج: Talking Beats podcast.  Twitter: @talkingbeatspod

ظهرت هذه المقالة لأول مرة في TheBulwark.com وقد ترجمت ونشرت هنا بترخيص منهم. يمكن الإطلاع على الأصل هنا.