أبدأ ببيان عن فشلي. أنا في وضع غير معتاد إلى حد ما لأنني مررت بعدة تجارب من الانتكاسات والفشل في مجموعة متنوعة وغنية من الأنواع الأدبية. ويعود السبب في ذلك لأنني مررت بأربع مراحل في مهنتي في الكتابة، وكان هناك مزيج مميز من التقلبات والبدايات الخاطئة في كل منها:
المرحلة الأولى: الشاعر
كان الفشل هنا من النوع المتطرف، وهو ما يعني أن زلة الرفض كانت تميل إلى إطلاق سلسلة من التجهمات العميقة، يليها ركل الأشياء الجامدة وشرب الكثير من براندي الكرز (لم يكن لدي نقود لذا استفدت من خزانة مشروبات والدتي). في هذه المرحلة، لم أكن على علم بتوجيهات إسكندر بوب فيما يتعلق بالشعر السيئ. لقد أوضح أن إخراج الشعر من النظام كان تمهيدًا مفيدًا لمحاولة الكتابة الصحيحة: “قد يتم التأكيد وكل الحق في ذلك، أنه ما من مخلوق بشري بعد مرحلة الطفولة إلا قام في وقت ما “بتفريغٍ شعري”، و لا شك أن ذلك كان خيرًا لصحته… “
المرحلة الثانية: كاتب محتوى
بعد أن حصلت على اهتمام فابر وفابر للنشر، ثم رفضوني، تحولت إلى الوعظ حول الشعر والكُتاب عمومًا. في هذه المرحلة كنت مملًا بشكل لا يطاق، شاعرٌ غرٌ يتصرف كأستاذ. كانت حالات الرفض أكثر إطنابًا، لكنها ما زالت قاتلة. النتيجة: غضب واشمئزاز من جميع الدوريات التي رفضت عملي.
المرحلة الثالثة: كاتب عن الجرائم
قادني القدر والظروف إلى دور متحمس للجريمة. أي أنني طورت اهتمامًا غير صحي بالجرائم الدموية من سنوات طويلة مضت. لقد أبليت بلاءً حسنًا في هذا الأمر، لكنني وجدت أنه عندما عينت وكيلًا، فإن كل الأفكار المتعلقة بالقصص التي كنت أحترق لأخبرها قوبلت برفض من كبار الناشرين. السبب: كان هناك الكثير من الكتاب الآخرين يفعلون نفس الشيء.
المرحلة الرابعة: مساهم في مجلة
في مرحلة ما تقلبت في الكتابة لمجلات التاريخ والمجلات المحلية. في البداية بدا أنني أجذب بعض القبول بين حالات الرفض، ولكن بعد ذلك أغلقت جميع الأبواب في وجهي.
اليوم، على الرغم من ذلك، أنا متواجد ككاتب غير روائي: موضوع اختصاصي الأكثر تفصيلاً، في حال استدعائي للمشاركة في تحدي للجامعة، هو الفشل الأدبي. ومن هنا جاءت هذه المقالة. الرفض عدة أشياء، إذا بحثنا عن صور لشرحه: هو مثل تلقي ضربة ماء جامد؛ مثل صفعة على الوجه بسمكة رطبة؛ مثل أن تتلقى ضربة بعصى على الحجاب الحاجز؛ مثل أن يطلب منك الخروج مبكرًا من اللعبة.
في صميم المسألة، فإن التجربة المظلمة والمدمرة حقًا هي أن يشعر المرء بأنه مستبعد من نادٍ لطيف ودافئ وحميمي. يرى المرء هؤلاء الكتاب المحترفين يجلسون على أرائك يجرون مقابلات في مهرجان ثقافي ويبدون مثقفين وواثقين؛ يظهرون على شاشة التلفزيون عندما يصادف عيد الحب أو يوم الكتاب العالمي، ويشعر المرء بأنهم يعودون إلى حياة الدردشة حول فصل رابع في أحد المقاهي في لندن. لقد عملوا لساعة أو نحو ذلك في المكتب ثم بدأوا بالتغريد والتدوين ولديهم الآلاف من المتابعين الذين يريدون التقاط حديثهم وجهدهم. في بعض الأحيان يضطرون إلى الجلوس في مكتبة وتوقيع أسمائهم على كتاب قاموا بتأليفه، ويصطف الناس في طابور لإلقاء نظرة عليهم وطلب توقيع الكتاب إلى “كاثي” بدلاً من “كاثرين” حتى يتمكنوا من قول أنهم رفاق للمؤلف بلا كلفة.
لكن الكتاب المرفوضين ليسوا جيدين لعالم الإعلام هذا. تبقيهم رسالة الرفض في البرد خارجًا، وتحكم عليهم بسنة أخرى من العمل الشاق أمام الشاشة، جالسين على طاولة العمل ليلة العطلة، قبل أن يتحتم عليهم الاستيقاظ والعمل 8 ساعات في الصباح التالي.
المؤلف المرفوض ليس مؤلفًا. عندما يسأل الأصدقاء عن وضع الكتاب، يجب على المرء أن يحاول أن يبتسم ويقول إن الناشر لم يرده. يجب العثور على الأعذار، مثل، “لم يكن مناسبًا لقوائمهم” أو “الموضوع غير عصري الآن” ويجب على المرء أن يقول هذا لأنه بخلاف ذلك سيفقد المرء ماء وجهه ومن ثم لا يتم وصفه بأنه “كاتب”عند تقديمه. في أيام شبابي، كان يُشار إلي أحيانًا في الحفلات باسم “ستيف، وهو مدرس ولكنه شاعر أيضًا …” المحادثة التالية ستكون دائمًا حول الشعر، وليس التدريس.
اعترف أنه في وقت سابق من مسيرتي في الكتابة شعرت بالحسد تجاه أولئك الكتاب الذين يتبخترون في شهرتهم، ويحبهم ويقدرهم قرائهم، والإعلام، والنخبة المتألقة، والمتحدثون، ورواة القصص – بينما كانت قصصي غائبة في النسيان المظلم لدرج مكتبي.
اليوم الأمور مختلفة تمامًا. ليس لدي حسد، ولا كراهية مزعجة ولا غرق عميق في الاكتئاب الناجم عن الرفض. يقلبني الرفض اليوم مثل الخفافيش عند الغسق. أنا أبكي فقط عندما أكون لوحدي. خلاف ذلك، يظهر الوجه الشجاع بسهولة وسلاسة.
يتعلم الكتاب المخضرمون تدريجيًا أن الطريق إلى أن تصبح كاتبًا حقيقيًا مليء برسائل الرفض. إنه يشبه إلى حد ما الملاكم، حيث يتعين عليه تعلم الصنعة عن طريق السجال. الفارق الوحيد هو أننا نادراً ما نحظى بفرصة لتوجيه ضربة على فك اللقيط الذي رفض الرواية. أعني ذلك بطريقة لطيفة، تمامًا كما يعنون رفضهم بطريقة لطيفة أيضًا.
تبقى إحدى المزايا الصغيرة لشرحها: يمكن أن يكون مفيدًا. أي أن الرفض يوفر نقطة حوار. هناك دائمًا الكثير من الدعم، وتُقال الكثير من الأمور المطمئنة … النساء يشعرن بالتعاطف معك. رغم ذلك، كموضوع دردشة له حدوده:
“مرحبًا.. أنا ستيف”.
“ماذا تعمل؟”
“أنا كاتب”
“حقًا؟ ماذا كتبت؟”
“آه.. لا شيء. لقد رُفضت”.
وإذا لم يتبع ذلك ضجيج التعاطف يمكنك أن تُضيف: “لكنني رفضت من قبل فابر و فآبر! لا يستطيع الكثيرون ادعاء ذلك”.
يبدو أن كل شخص تلتقي به في عالم الكتابة لديه قصة عن رفض كتاب جي. كي. رولينغ الأول عن هاري بوتر. يحوي الانترنت على كميات مهولة من المواد عن الرفض الأدبي، وعندما يضع موقع Writers’ Relief قائمة برسائل الرفض الكلاسيكية يضمنون واحدة وصلت روديارد كيبلينج: “أنا آسف سيد كيبلينج، ولكنك لا تعرف كيف تستخدم اللغة الإنكليزية” وملاحظة أرسلت لإيملي ديكنسون، أحد أعظم شعراء أمريكا: “قصائدك استثنائية من حيث العيوب كما من حيث الجمال وهي خالية بشكل عام من الصفات الشعرية الحقيقية”.
أثارت قوائم الموقع استجابة هائلة لأكثر من عشرين صفحة من التعليقات للكتاب، ويبدو أن الكثير منهم مقتنعون بأن الأمر كله يتعلق بالذوق على أي حال، وأن الكثير من الكتابات المنشورة سيئة للغاية. إنها مسألة رأي بالطبع، ولكن عندما يتلقى الكاتب المنفرد الرفض، فهذا مؤلم حقًا. الرفض هو أكثر من مجرد ضربة لتقدير الذات ومواهب الفرد: إنه يُضعف إحساسك بالذات.
أصبح التعامل مع الرفض اليوم علمًا تقريبًا. حتى أنه يستفز الكتاب لصياغة مصطلحاتهم الفنية الخاصة، كما هو الحال في فكرة ميندي كلاسكي عن “الرفضومنسية” والتي هي، تقريبًا، مهارات التكهن بما هو المقصود بالضبط بعبارات خطاب الرفض. تحلل كلاسكي عبارات مثل “لم تستحوذ علي” و “لم تمسك بي” و “لم تعمل معي”. وتعتقد بحق أن هناك أدلة في التعبير المشفر لمثل هذه العبارات الصيغية.

سيناريوهات الرفض المتغيرة
خلال كل الأعوام التي قدم فيها الكتاب مخطوطات للنظر فيها، كان هناك عذاب انتظار الرد، تلاه رعب الرفض، مما أدى لتشكل الكراهية الشريرة المطلقة ضد أولئك الذين يبدو أنهم نجحوا على طبق من ذهب. ولدى الكاتب المرفوض مجموعة من الأعذار لتبرير نجاح الآخرين: لديهم أصدقاء مؤثرون، ولقد تملقوا الجميع. لقد وصلوا إلى هناك عن طريق المغازلة… وهكذا إلى ما لا نهاية. نرفض نحن الكُتَّاب قبول فكرة أننا قد لا نكون على مستوى جيد، ولكن، بعض العظماء الكلاسيكيين لم يكونوا كذلك أيضًا.
أحب أن أفكر أن هذه الملاحظة، مصحوبة بمخطوطة ضخمة الحجم، تم وضعها في صندوق بريد معين:
عزيزي السيد جويس،
نشكرك على نصك : ” Finnegan’s Wake”. لكنه للأسف لا يلائم بشكل جيد قوائمنا الحالية. من الصعب تصور كيف يمكننا تمييز هويتك ككاتب بناءً على هذا، على الرغم من أن عنوانك قد يشير إلى احتمال وجود قصص بحار ويمكن وضعه جنبًا إلى جنب مع روايات الكابتن ماريات وجوزيف كونراد. اقتراحنا، والأمر الأهم، أن تنتبه إلى التحقق من القواعد النحوية وعلامات الترقيم قبل إرسالها لمكان آخر…
كما يعلم جميع الكتاب، هذا خطاب رفض. إنه جزء من عملية التعلم لأولئك الذين يكرسون حياتهم للكلمة المكتوبة. العبارات في افتتاح مثل هذه الملاحظات الموجزة مألوفة لجميع أولئك الذين يشعرون بألم الرفض. فيما يلي بعض المناورات الافتتاحية لمن هم في موضع قرار:
نأسف أننا لا نستطيع…
للأسف في هذا ليس لنا…
لعملك بعض المزايا ولكن…
ننصحك بتجربة ناشر مهتم بكلاب الراعي الألمانية..
السوق لهذا الصنف قاسٍ في هذا الوقت…
كلنا استمتعنا لقراءة هذا ولكن…
لا تشعر بالإحباط ولكن…
هل فكرت أبدًا بالعمل التطوعي…
ربما بعد عشر سنوات من الآن يمكن أن تتغير الموضة…
كان هذا طويلاً جدًا…
لقد مل قراءنا عند الصفحة 3003…
أو أن هؤلاء المحررين اللطفاء قد يسحقون ويثبطون عزيمة الكاتب الطموح، كما حدث عندما قيل لوليام وردزورث، عند نشر أعماله العظيمة The Excursion: “هذا لن ينفع أبدًا…”
لقد عشت مع الرفض لما يقرب من أربعين عامًا. بدأتُ مسيرتي المهنية في كتابة السوناتات عن زهور التوليب وتقدمت لإنتاج سير ذاتية لأشخاص غامضين من السنوات الغابرة. لكني جلست مؤخرًا لتقييم هذه المهنة الطويلة من التعرض للرفض، وشعرت بالاطمئنان إلى أن تجربتي ستساعد الآخرين، ربما أولئك الجدد على مهنة الكلمة. هذه السلسلة هي سيرتي الذاتية، قصة الشاعر بداخلي الذي لم ينجح أبدًا ولكنه أثار بعض ردود الفعل في الزوايا المظلمة وطرق الأدب المنسية.
هذا السيناريو مألوف، هذه القصة المقتضبة للرفض: المرحلة الأولى هي الشعور بالهلاك الوشيك عندما يدرك المرء أن مظروفًا ضخمًا قد وصل داره؛ ثم المرحلة الثانية هي الصوت الصغير داخل المرء الذي يقول إنه قد يكون قبل ولكن مع الحاجة إلى بعض التعديل. المرحلة الثالثة: وضع المغلف على الطاولة ووضع كوب القهوة بالقرب. أخيرًا، إذا كان هناك شخص آخر بالقرب منك، فسوف تطلب منه فتحه، ويفعل ذلك، ثم ينحني رأسه وتضمحل ابتسامتك الزائفة في تعبير من البؤس.
لقد بكيت فوق نصوص مرفوضة. لقد دست عليها ونحبت مثل شايان في رقصة المطر؛ لقد مزقتها باللعنات. لقد أمسكتهم بقبضة تهتز وتعهدت بعدم الكتابة مرة أخرى؛ وصرخت في أي شخص قريب حول كيف أسيء فهمي. حتى أنني ذكّرت نفسي، بانتظام، بأن ويل شكسبير رُفض. أعني، في مسرحياته اللاحقة، كان عليهم أن يستعينوا بجون فليتشر ليخرجه من زاوية الحانة ويكتب المشاهد الجنسية بعد أن أصيب ويل بالاكتئاب في وقت ما حوالي عام 1602.
في الأيام التي سبقت أجهزة الكمبيوتر والإنترنت، ربما كان هناك مكتوب ثقيل يصل المؤلف، ولكن اليوم قد يكون هناك سطر واحد ببساطة، مثل: “ليس لنا”. اعتاد الكتاب في عملهم من المنزل كمستقلين على الرفض المقتضب لرسائل البريد الإلكتروني، التي تتم صياغتها بشكل عام بعبارات دبلوماسية أو غير لائقة. لكن حتى مثل هذه الردود الموجزة لا تزال مدمرة للغاية. دعا إسحاق عظيموف رسائل الرفض بـ”ممزقات الروح” وقد استقبلها بالبريد؛ اليوم، ربما نريد أن نتفق مع نيل جايمان على أنه “عندما يخبرونك بما يعتقدون أنه خطأ وكيفية إصلاحه، فإنهم دائمًا ما يكونون على خطأ”. لكن المشكلة المحبطة للغاية هي أنهم قد يكونون على حق، وهذا يعني رؤية أخطاء في أعزائك الصغار الذين أرسِلوا إلى عالم النشر القاسي.
الحقيقة أن “الرفض” كلمة قوية للغاية. نحن بحاجة لتعديلها. أقترح “تأجيل محتمل” أو “قرار جزئي” أو “قرار متردد”. أو ماذا عن “التعديل التكتيكي المقترح”؟
لا، يجب أن نصبح رجالاً -أو نساءً- ونطبق بعض القسوة المسيحية هنا. كانوا رجالاً يمكن أن يتعاملوا مع الضغط والرفض. نعم، يمكن أن تطلب هذه الأمثلة الفكتورية الإنجيلية المسترجلة من المحررين أن يأخذوا خطاباتهم ويغربوا. ثم ماذا؟ يكتبون خطابًا آخر مستعدين لإخبار شعوب القارة المظلمة بأن كتاباتهم وخطاباتهم كانت من الدرجة الأولى، وعليهم قراءة آخر كتاب لهم بعنوان: “عظات مختارة للكفار” أو “حكايات الكتاب المقدس الصغيرة للجماهير الوثنية”.
بالطبع، قد يكون الرفض نعمة مُقَـنعة للكُتاب؛ في النهاية، أن يقول ذو القرار بأن خبرة المرء قد تكمن في مكان آخر قد يكون نصيحة مهنية جيدة. ذلك غير صحيح طبعًا إذا كانت النصيحة هي ترك الكتابة تمامًا أو أن الكاتب المسكين ذو روح حساسة. في كثير من الحالات، أدى الرفض إلى اعتماد توجهات جديدة، وبالتالي فإن النصيحة صحيحة، وهي في الواقع دليل إلى نقاط القوة الحقيقية للكاتب.
ومع ذلك، فإن القصص الموجودة في تاريخ حياة المؤلفين والمتعلقة بالعواقب غير المتوقعة للفشل، ترافق قصة الأدب منذ البداية. لا بد أن أورج، رجل الكهف الشاعر، قد خدش روايته لمطاردة الديناصورات على جدار كهفه، ليواجه بالاستهجان من القبيلة مع اتفاق عام على أن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق، ولم يكن دورغ هو من قتل الوحش أساسًا.
هناك حالات من الرفض والاكتئاب اللاحق له، كونك جزءًا من مهنة المستقبل التي تصبح ناجحة بشكل كبير، كما في حالة إسحاق عظيموف. في حالته، لم يتم إخطاره بالرفض فعليًا؛ إن عمل الخيال العلمي الأول الذي قدمه للنشر قد ضاع في غياهب النسيان. لم يأت أي رد عليه. هل اكتئب؟ لا على الاطلاق. تحتوي سيرة حياته المهنية على حقيقة مذهلة؛ أنه أنتج عبر العديد من الأنواع الأدبية، أكثر من 600 عنوان.
يمكن القول إن الصمت هو الرفض الأقسى: ما الذي يمكن أن يكون أسوأ بالنسبة للكاتب الطموح المناضل من الرد على ما قدمه بلا أكثر من صمت تام، فجوة زمنية ذات مغزى، لا يتبعها استجابة؟ ثم الإدراك الحتمي للكاتب أن العمل المعني قد تم تجاهله، وربما ضاع في كومة بحجم برج بلاكبول، وأن مصير عمله العظيم هو النسيان المطلق. والأسوأ من ذلك، أن الشعور يخلق خوفًا من نوع: كانت الكتابة مروعة للغاية لدرجة أنه لا توجد استجابة لفظية ممكنة، وقد اختار المحرر التزام الصمت، وإذا تم الضغط عليه فإنه سيقول: ” للأسف لم يصلنا العمل أبدًا”.
سيكون العديد من الكتاب على دراية بضرورة كتابة “رسالة تذكير” إلى المحرر أو الناشر. إنها وثيقة صعبة للغاية، وتتطلب اللباقة والسيطرة على الغضب بغرض الاستعلام. هذا هو نتيجة هذا الشعور بالقلق الشديد، والاضطراب الداخلي واليأس من جانب الكاتب المسكين، يتحول إلى رسالة صغيرة حزينة من هذا القبيل:
عزيزي المحرر،
قبل ستة أشهر أرسلت لك نص روايتي، دينيس الخطر، رواية الحروب النابليونية. حتى الآن، لم أتلق أي رد، وأنا حريص على معرفة ما إذا كنت قد تلقيت بالفعل الحزمة التي تحتوي على عملي أم لا. هل يمكنك التحقق من أن النص وصلك وإخباري أنه، إذا كنت قد قرأته، ربما تكون قد توصلت إلى قرار بشأن ملاءمته للنشر؟
لاحظ نغمة القلق الهادئ هنا، والرغبة في عدم الإساءة، وتوخي الحذر وعدم الإساءة، وأهمية عدم التحول لمتذمر يخشاه الناشرون. ما يريد الكاتب حقًا كتابته هو:
عزيزي المحرر النذل المتسلط،
أين روايتي العظيمة عن حروب نابليون؟ لقد بقيت على مكتبك لمدة ستة أشهر طوال مع أنها 200 صفحة فقط لذا يجب أن تكون قد قرأتها. من أجل الرب ردوا علي! لا تخبرني أنك فقدتها أو أنها لم تصل إليك أبدًا، لأنه في الوقت الحالي، فإن الأنا الخاصة بي هشة للغاية لدرجة أنني على حافة الجنون والحياة جيدة جدًا ورائعة لدرجة أنني أفكر في إلقاء نفسي تحت القطار التالي.
تأملات في الفشل.
“فشل”: تلك كلمة قاسية، نتجنب استخدامها في عالمنا شديد الحساسية، حيث نحاول حماية كل الكائنات الحية من أهوال اللغة. يأتي الحصان في المركز الأخير في السباق: إنه ليس فشلًا، إنه “محاولة” لديه عادة تتمثل في “النضال في الخلف”. في الماضي غير المتبصر، يمكنك القول إن شخصًا ما كان فاشلاً ولا تقلق من أنك تخاطر بدفعه لإيذاء نفسه، أو حتى للاكتئاب والانتحار.
لكنها كلمة تجرح بشكل عميق: “فشل”، “فاشل”- بل إنها أكثر فتكًا بعد أن تأتي خلف شريكها الصمت في فترة من الانهيار والعذاب- وهو أمر مألوف لجميع الكتاب الذين ينتظرون قرارًا تحريريًا.
تزخر المؤتمرات وورش العمل والمجلات ومواقع الويب بالنصائح للكتاب الطموحين، وتقدم نصائح حول كيفية التعامل مع كونك “غير مقبول”. يتم استبعاد “الفشل” من مفردات الكتابة الإبداعية، وعذاب الصمت الطويل في يتم تجاهل أي الناشرين لا يستجيبون للنصوص. يجلس الكاتب المسكين، ويعاني من حالة لا علاج أو دواء لها، وينتظر شهورًا للحصول على إجابة، في صمت كبير ومسيطر، مساحة خالية من الكلمات في حياته حيث تدخل عقله الصفات التي تضع العمل في طي النسيان وتزيد العذاب؛ كلمات مثل: “يمكن التنبؤ به” أو “مسطح” أو “لطيف” أو “مبتذل”. الفكر المستمر هو، حسنا، لقد فشلت. والآن مسألة كيف سيُفسر هذا الفشل.
إن الأنا الهشة للكاتب هي عامل حيوي بالطبع: يقال إننا سلالة حساسة تستسلم للدموع عند أدنى تلميح للاستقبال السلبي لكلماتنا الرائعة، ربما نتاج سنوات من العمل الشاق على المكتب. لكن هل هذه مجرد خرافة؟ من المؤكد أن الرفض شائع لدرجة أن الكاتب ينمي درعًا سميكًا مثل الطوب؟ ذلك ليس صحيحًا، فبالنسبة للكثيرين، حتى كتابة الجملة الافتتاحية للرواية الجديدة تجلب الظل الأسود للفشل على المشهد. ثم يدفع العمل المكتمل الكاتب حتما إلى التعديل: يخرج قلم الرصاص الأحمر، وسرعان ما يزيد الشك المتزايد إلى الاعتقاد بأن ما تم إنتاجه هو من الدرجة الثالثة ولن يتم رفعه أبدًا إلى الدرجة الأولى.
الأنا رقيقة وهشة مثل رقائق المعجنات، وقد تكون عواقب الرفض شديدة. لقد حُطمت المكاتب وتشمعت الأكباد من الخمر بسبب الرفض- ذلك الرفض القاسي للمخطوطة (كما ينظر إليه عبر عيون الكاتب البائس). قد يكون نفي الموهبة الأدبية إنكارًا لإحساس الفنان بذاته. لكن في النهاية، هذا عمل، وفي لعبة الكتابة، يغلب رنين النقود على تنهدات الكُتاب.
في القصة الحزينة للشاعر توماس شاتيرتون، الذي كتب الشعر مدعيًا أن شاعر سابق هو توماس رولي كتبه؛ كان رولي محبوبًا ومُعجبًا به في البداية، ولكن بعد ذلك، في سن السابعة عشرة فقط، انتحر بأخذ الزرنيخ، وعاش في فقر مروع. ليس من الأهمية بمكان أن عمله قد كتب على أنه كاتب متخيل. لا توجد سرقة أدبية هنا، ولا يزال موهوبًا ومبدعًا بشكل مذهل. لقد حقق نجاحًا فوريًا، تلاه فشل سريع وشديد، حيث رفضه العالم القاسي الذي كان يتوق للانضمام إليه.

أفكار أعمق حول فقدان الفكرة.
كما كتب جوزيف برودسكي: “الحقيقة المحزنة هي أن الكلمات تفشل في الواقع أيضًا …” وبعبارة أخرى، فإن الإبداع في الكتابة محكوم عليه بالفشل على أي حال – بمعنى أعمق أننا نفشل في وضع التصورات والمشاعر، التي دفعتنا للكتابة منذ البدء، على الصفحة. نعلم جميعًا أنه حتى أفضل الكتابات – الكلاسيكيات من كل شكل ونوع – قد فشلت، في نهاية المطاف، في إعادة إنشاء ما كان موجودًا في ذهن المؤلف في شكل ما قبل لفظي على الصفحة. كان لدى جميع الكتاب هذا الشعور الساحق: كان هناك صراع لكتابة البيان العاطفي أو البصيرة التي شعرت بها بالضبط، ومع ذلك، بعد كتابة مسودة وراء مسودة، فهذا ليس صحيحًا وليس دقيقًا. علينا أن نقبل أننا نعمل على الاقتراب قدر الإمكان من هذا الإدراك قبل اللفظي. لذا من الناحية الفلسفية، الفشل أمر لا مفر منه.
لكن الفجوة بين هذا النوع من الفشل وزلة الرفض هائلة. لقد فهم تي إس إليوت هذا، كما يوضح في هذه السطور من “The Lovesong of J Alfred Prufrock”:
” إذا كان على أحدهم وهو يضع وسادة تحت رأسها،
أن يقول: “ليس هذا ما قصدته على الإطلاق،
ليس هذا هو على الإطلاق”.
ومع ذلك، على الرغم من الفلسفة وتأملاتها، لا يزال موضوع “الكتابة السيئة” قائمًا. المشكلة هي أننا جميعًا نشعر بعدم اليقين في كيفية تعريفها. في المجموعة الكلاسيكية من الشعر الفاشل، The Stuffed Owl (1930) ، اعترف المحرران ، ويندهام لويس وتشارلز لي ، بعدم اليقين من خلال كتابة “هناك أبيات سيئة بشكل سيء وأبيات سيئة بشكل جيد”. لكنهم على الأقل قدموا قائمة بأولئك الذين من المرجح أن ينتجوا أبياتًا سيئة: “إن مجال الأبيات السيئة واسع ومربك في ترفه الاستوائي. الأمي، ونصف المتعلم، والبابو، والمساهم المحب للطبيعة في جريدة المقاطعة، ورئيس المحطة المتقاعد، والسيدة العانس المتناغمة بخفة مع الحياة والربيع، والوطنية القلبية ولكن سيئة التجهيز …” المحرران بالتأكيد متحيزان وغير عادلان قليلاً، ويعملان ضمن قوالب نمطية ميتة، لكن وجهة نظرهم هي، كما ذكروا لاحقًا في مقالتهم، أنهم “يحذرون القارئ بشدة من ازدراء أو الاستعلاء على الأبيات السيئة بشكل سيء”.
كل هذا يعني أنه فيما يتعلق بالرفض، يجب أن يكون هناك دائمًا عنصر الذوق. الواقعية لدى أحد النقاد هي مفهوم عاطفي لدى ناقد آخر. كل هذا معقول جدا ومنطقي. لكن هناك عنصر آخر، عنصر روحي. هذا يقدم موضوع الإرشاد الروحي. نحن بحاجة إلى كل المساعدة التي يمكننا الحصول عليها، بما في ذلك المساعدة من مستوى آخر أعلى- شيء روحي عميق.
كتبها:
Stephen Wade
ستيفن وايد كاتب ومؤرخ. أحدث مؤلفاته هي The Justice Women (Pen and Sword)، وهو تاريخ للمرأة في جميع مجالات القانون، و No More Soldiering (Amberley).
ظهرت هذه المقالة في This Fortnightly Review وقد ترجمت ونشرت هنا بترخيص منهم.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.