التصنيفات
مجتمع العمل علاقات

هل هي رومنسية أم تحرش؟

عن المغازلة والعلاقات في مكان العمل

ماروشكا ومحمد يعملان سوياً ويتشاركان في عدة اهتمامات حول الكتب والثقافة. يتجرأ محمد المعجب بزميلته أخيرًا على دعوتها للخروج سويًا والتحدث خارج نطاق العمل، حيث يتبين أنهما لا يتشاركان في الاهتمامات فقط ولكن بكيفية رؤية الأمور، ويقضيان موقتًا ممتعًا. لا يتوقف الأمر عند هذا الموعد، وفي النهاية يتطور الأمر لارتباط بعيد الأمد.

يبدو ذلك كفلم رومنسي ولكن من دون نزاع لحله، أليس كذلك؟ ها هو النزاع من الواقع. ماذا لو كان طلب محمد ضد أخلاقيات العمل؟ ماذا لو لم توافق زميلته، ألن يضر ذلك بعملها وبالتالي هو تصرف أناني من طرفه؟

كثيرًا ما يقع أبطال الأفلام والمسلسلات في غرام زملاءهم في العمل. ليس آخرها في المسلسل الجميل Zoey’s Extraordinary Playlist، أو مسلسل Grey’s Anatomy الذي تدور تيمته الرئيسية حول هذه القضية تحديدًا. يكون الأمر في غاية الرومنسية والبراءة ورغم العوائق ينتهي بشكل جيد، لكن كما نعلم فإن الثقافة الشعبية تروج لأفكار خطيرة عن الرومنسية. وقد تكون هكذا تصرفات مؤذية جدًا، خاصة عندما يكون العمل مصدر رزق في مجتمع حيث فرص العمل قليلة.

على الجانب الآخر، قد يلتقي المرء بشريك حياته في مكان العمل بالفعل، كما قد نتعرف على أصدقاء مقربين. لكن هذا التعارف بحاجة لمبادرة، وهنا يعلق الناس على النسوية دومًا: “النسوية تعني عدم الإطراء على امرأة أبدًا”. وسط الارتفاع الأخير المثير في النشاط النسوي، يبدو أن ارتباكًا طفيفًا قد تسلل حول التمييز بين التحرش الجنسي والمغازلة الجيدة. يبدو أن القلق العام هو أنه من خلال إدانة التحرش الجنسي والسلوك التمييزي، فإننا بطريقة ما سندمر عن طريق الخطأ أي محاولة حسنة النية للمجاملة والمغازلة الجيدة.

إذًا، كيف نميز هذا الحد الفاصل الدقيق بين الرومنسية، والمضايقة التي تخرق قواعد السلوك في مكان العمل ومن ثم تتطلب إجراءات تأديبية؟ هذه بعض الأمور لمعرفة ذلك. قد يبدو بعضها من الحس السليم، ولكن من الغريب كم نحن بحاحة للتذكير بها!

 إذا كنت متزوجًا فهي مضايقة

كما قلت- من المنطق السليم! لا يمكنك أن تكون متزوجًا ثم تزعج زملاءك بطلب الخروج معهم في مواعيد وتتوقع أن يكون ذلك رومنسيًا. وإن كان لديك فوقها أطفال فيجب أن تحترق في جهنم. نعم، قد يختلف زوجان ويفقدان الاهتمام ببعضهما، في هذه الحالة يجب أن يكون شريكك على علم بنهاية العلاقة وحق كل طرف في متابعة حياته. إن كان زوجك يجلس في البيت بينما تلاحق زملاء العمل فذلك بلا شك مضايقة تحتاج للضبط.

الاهتمام لا يعني المعاكسة

أيضًا من البديهيات، ومع ذلك ها نحن هنا.

في الحقيقة هذه واحدة من أكثر الحجج المستخدمة من قبل المتحرشين عند الدفاع عن حق المرأة في ألا يتحرش بها أحد- يقولون: ولكن إن لم نخبر فلانة أنها جميلة وجذابة فكيف سنتعرف على الفتيات ويتطور الموضوع لعلاقة جادة؟ والإجابة بالطبع أن الفرق بين الاهتمام والدعوة اللبقة وبين التحرش كالفرق بين تناول قطعة كيك وتلقي ضربة في منطقة حساسة، أو الفرق بين سماع معزوفة لبتهوفن وسماع صوت بائع الغاز حتى تدما أذناك. عندما تخبر أحدًا لا تعرفه وهو منشغل بحياته اليومية أنه كذا وكذا فهذا تحرش. وعندما تخبر كل امرأة في المكتب كم تنورتها جميلة وكم شعرها خلاب كما لو أنك ترمي عدة طعوم متأملاً أن ترد عليك إحداهن، فلا تتأمل برد سوى صفعة على الوجه. من الغريب أساسًا كيف أن الإدارة تتغاضى عن تصرفاتك حتى الآن.

المغازلة اللبقة والاهتمام الجيد هما في جوهرهما محاولة، مدفوعة باللطف والإثارة لإلهام شخص آخر ليؤمن بحزم أكبر في محبوبه. إنها هدية مقدمة لا من أجل التلاعب، ولكن من أجل المتعة في إدراك ما هو أكثر جاذبية في شخص آخر. الاهتمام هو أن تجد شخصًا يتوافق معك فيما وراء المظهر، وتسعد بوجوده، فتدعوه لاكتشاف المزيد.

المغازلة المثالية هي عمل من الفن الاجتماعي يشارك في ابتكاره شخصان وليس واحد فقط. حيلة حضارية تعترف بالقيود والمخاوف بشأن العواقب وتعرف أهمية عدم ترك الدوافع اللحظية تلحق الضرر بالالتزامات طويلة الأمد.

ليس من المفترض أيضًا أنه إذا أعجبتك عيون زميلتك أن تخبرها أنك تحبها وتعشقها عبر رسالة واتساب- ذلك تصرف سطحي وغير منطقي.

 فكر بالأمر كتعرف على صديق: تتحدث أنت وزميلك زيد عن مباراة الأمس وتكتشف أنه يشجع نفس النادي ولديه ملاحظات نبيهة عن طريقة اللعب، فتسأله: هل تود مشاهدة مباراة الغد في قهوة س؟ هذا ما يجب أن يكون الأمر عليه حتى لا تدع أحدًا يكره العمل والحياة من وراءه.

إن كنت غير قادر على التمييز بين المغازلة الجيدة والتحرش، شاهد هذا الفيديو.

 اقرأ العلامات

لا يكفي أن تكون معجبًا بأحدهم، يجب أن يُظهروا، على الأقل، بوادر اهتمام مشترك. إن كنت تتحدث مع زميلتك عن مسلسل شيرلوك فيما هي تهمهم بينما تعمل على الحاسوب، فهي غير مهتمة وتحاول التركيز على عملها. وإن أرسلت لمروة مقالة على فيسبوك أو أغنية على واتساب ولم ترد عليك فهي غير مهتمة. وإن كانت سارة تخرج من الغرفة عندما تدخل إليها فهي بالتأكيد غير مهتمة.

من المهم هنا، بعكس ما تخبرك الأفلام والمسلسلات، ألا تكون لحوحًا. المحاولة اللبقة جيدة. الإصرار الأعمى مزعج. الواقع أنه مثلما أُعجبتَ بمروة وليس سارة فربما أعجبت مروة بزيد وليس بك، في النهاية كلاكما لا تعرفان الكثير عن بعضكما، وعندما يظهر أحد الطرفين قلة اكتراث بالآخر يجب على الأخير احترام مساحة الثاني وتقبل فكرة عدم اهتمامه كأمر طبيعي. هنالك الكثير من الأشخاص الآخرين، وفكرة توأم الروح هي أسطورة زرعتها مثاليات الثقافة الشعبية. الأمر مستحيل احصائيًا بين بلايين البشر على هذا الكوكب، ويضعك في موقف المتحكم بالقدر حسب معطياتك- فكر لو أنك عملت في مكان آخر، أو التقيت بشخص أكثر إثارة للاهتمام لاحقًا، ألاً يبدو تعليق فكرة توأم الروح بهذا الشخص حينها أمرًا عبثيًا؟

تقبل الرفض

لو فعلت كل شيء بالطريقة الصحيحة وقرأت العلامات وطلبت بشكل لبق دون أن تخنقها ومع ذلك قالت لا، فعليك التعايش مع ذلك. قد تكون هذه أهم نقطة في كل المسألة، لأن عدم تقبل الرفض سيجعل بيئة العمل سامة وموترة، خاصة إذا كنت في منصب إداري أعلى ممن سألت.

علينا تعلم تقبل الرفض وأنه ليس مسألة شخصية. في أي طلب تطلبه من أي شخص هنالك دائمًا احتمال نعم ولا. عليك رؤية هذه الـ “لا” حتى قبل أن تسأل وألا تعميك أحلام الموافقة وخطط ما ستفعل بعد أن توافق. يجب أن تكون واقعيًا، وإن لم تستطع أن ترى هذه الـ “لا” قبل أن تسأل، فلا تسأل. يشجعنا المجتمع على أن نكون جريئين وحازمين ونلاحق ما نرغب به حقًا، ولكن علينا أيضًا أن نتعلم التواضع واحترام رغبات الآخرين. قد تكون مرتبطة ولا تعلم، أو مرتاحة لك ولكن كأصدقاء، أو لديها اهتمامات أخرى… هنالك أسباب لا حصر لها، وليس من الضروري أن تبرر خيارها لك.

ونحن أيضًا بحاجة إلى أن نكون لطفاء مع أنفسنا؛ الرفض ليس دليلاً على حالتنا البائسة وغياب الحب. ولا يعكس الرفض فظاظة أو سادية. إنه فقط شيء واحد: “لا” لأسباب لن نعرفها أبدًا ولا ينبغي أبدًا أن نفترض أننا يمكن أن نعرفها. الكارثة التي نخشى أن تحدث، وأن لا أحد سيحبنا، حدثت بالفعل منذ زمن بعيد. لا نحتاج رؤية الوحوش باستمرار في كل وجه وفي كل رفض.

هل يبدو الأمر مخيفًا؟

جيد، لأنه كذلك. إن كنت تظن أن شريك حياتك فعلاً حيث تعمل، فيجب أن تأخذ الأمر بجدية. من الناحية الأخرى، فإن عواقب عدم انسجامكما وخيمة، خصوصًا على المرأة، وتحديدًا في بلدان حيث الاقتصاد سيء وفرص العمل قليلة، وبلا شك إذا كنت في منصب إداري أعلى. لذلك عليك أن تأخذ الأمر بتأني وأنت مدرك لعواقب ذلك على حياة الطرف الآخر وقدرته على العمل.

بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون في شك، يمكنك دائمًا مراجعة القائمة المفيدة هذه:

  • هل الطريقة التي أتقرب بها من الآخر من المحتمل أن تخيف أو تثير قلقه؟
  • هل أوضح لي الشخص بالفعل أنه غير مهتم بمحاولتي؟
  • هل استعجالي في الأمور يخنقه؟
  • هل هذا التقرب هو في الواقع مجرد معاكسة فجة وغير مقبولة، مبنية على جاذبية هذا الشخص ولباسه أو حركاته؟
  • هل سياق هذا الموقف (مقابلة عمل، على سبيل المثال) يجعل هذا التقرب مسيئًا أو يوحي بالاستغلال؟

إذا كانت الإجابة على أي مما سبق هي “نعم”، فما حدث هنا هو أنك خلطت عن طريق الخطأ بين التحرش الجنسي والتقرب الرومنسي المحترم.

كتبها

رافاييل لايساندر