التصنيفات
فلسفة أفكار

الأسئلة الكبرى

عن بعض من أصعب الأسئلة في الفلسفة

من الجيد الجلوس، بين الحين والآخر، والتفكير في المعنى الحقيقي للحياة. لا تحتوي هذه الأسئلة الفلسفية بالضرورة على إجابات حاسمة، لكنها تهدف إلى إثارة الجانب الأعمق من التجربة الإنسانية.

بالإضافة إلى مساعدتك في رؤية منظور جديد، فإن هذه الأسئلة المثيرة للتفكير يمكن أن تصبح بداية محادثة رائعة. إن طرح بعض هذه الأسئلة العميقة على الأصدقاء والعائلة يعد أيضًا طريقة ممتعة لمساعدتك في التعرف عليهم بشكل أفضل قليلاً.

بغض النظر عن الغرض الذي تستخدم من أجله هذه الأسئلة الفلسفية، فأنت بحاجة للكثير من التفكر!

السؤال الأول

1. هو عن طبيعة الوجود، والوجود يلزمنا بسؤال:

هل الوجود موجود؟

ولكن لتفادي الاستغراق في التعقيد، قد نجد شيء من إجابته في السؤال الثاني..

2. سؤال الإنسان عن ذاته

وذلك مجرب بالفعل في حدث الولادة وحديث المولود عن نفسه بالصراخ والبكاء. ثم طور التطور، وهي مرحلة حساسة عنى بها الأدباء والعلماء، بحثًا عن آليات التكوين العقلي لهذا الإنسان. فبعقله يسأل عن وجوده، وكان هذا السؤال منطلقا لإثبات هذا الوجود كما أوضح ديكارت في الكوجيطو الشهير (أنا أفكر، أنا موجود). وهذا الوجود الإنساني، اتُخذ لاحقًا كمنطلق معرفي لتفسير الوجود كله، بناء على أسس راسخة في الفكر الغربي منذ الفلسفة اليونانية. حيث يقول بروتاغوراس: “إن الإنسان معيار كل شيء”، وسقراط يقول: “تكلم حتى أراك”، و”اعرف نفسك بنفس”). هذا الأساس الذي بنى عليه ديكارت، وهيدجر “إن كل سلوك – إزاء – ذات – أنفسنا إنما يتم استعمال الوجود”. وسارتر: “أنا أفكر.. إذن أنا كنت موجود”، و”سأكون عندما لا أكون”. الفلسفة الوجودية التي تجعل الإنسان معيارا لتحديد الصواب، وقناة للوصول للمعرفة.

إلا أن كل هذه الإجابات الوجودية وإن كانت تجيب عن سؤال الإنسان عن وجوده انطلاقا من ذاته، ولكنها تأخذ قفزة كبيرة فوق الإجابة عن تساؤل الإنسان عن الإنسان، حول ماهية ذاته -حتى وإن تحققنا من وجوده- تلك الماهية المعروفة، أو المعرفة بمجموعة كبيرة من المصطلحات الفلسفية التي تحمل في عمقها معاني بقدر عمق الإنسان ذاته.

الإنسان

الذات

الأنا

الهوية

الوعي

والفوارق واضحة بين المفردات الخمسة، فالإنسان هو المعرف لذلك الجنس (البشري) الذي يشمل ذوات/نا. والمحدد بشكل ظواهري في الكثير من العلوم بيولوجيا وفسيولوجيا وأنثروبولوجيا وكيميائيًا ونفسيًا وإجتماعيًا، وغيره.

أما الذات، فهي مفردة تفيد الرجوع إلى الأصل، أصل الإنسان الحاضر، وليس مجرد أصل ترجعه نظرية تطورية إلى طفرة جينية / حضارية. بل أصل حاضر في تكوين تلك الذات المفكرة قبل أن تكون نفس حية دون أي انفصال بين الروح والنفس. أما الأنا فتفيد مزيد من الاستغراق في التفرد، لذا كل واحد له أناه الخاصة، ومجوعتها / مجتمعها هي مجموع الذوات. أما الهوية فهي أكثر المفردات استخداما واستكشافا لطبيعة ومحددات هذه الأنا / الذات انطلاقا من تمييزها كـذات بشرية، أو كائن مفكر. لذا نجد أن كلمة هوية تطلق على الإنسان، في محاولة لتحديد أو الإشارة إلى ماهية الإنسان. أما كلمة الماهية فهي تطلق على الشيء، الحي أو الميت. ولكن لا يفترض بها أن تطلق على الكائن العاقل. وقد ذكرنا العقل، فالوعي هو المساحة التي تستوعب التفكير الناتج عن هذا العقل. وفي وصف الروح يذهب الوضعيون إلى كونها عبارة من مجموعة من التفاعلات الكيميائية والعصبية تؤدي وظيفة التفكير. لذا الروح هي العقل. ولكن هذا لا يخرج كنوع من التأكيد، فهنا تنبثق مجموعة من الإشكاليات تصلح لعمل قائمة من مائة سؤال فلسفي صعب.

مثل

-هل العقل نفس المخ أم هو الروح؟

-هل تستطيع الحواسيب أن تفكر؟

-هل العواطف غير عقلانية؟

-هل الوعي الخارجي ينفصل تماما عن الوعي الذاتي؟

-هل يمكننا صناعة وعي؟

هذا غير السؤال الأساس

-ما هو الوعي؟

ثم أن الوعي بالذات، يطرح سؤالا قد يكون هو الأكثر تعقيدا حتى الآن، وهو

3. أيّهما تفضّل أن تكون – إنسان تعيس أو كلب سعيد؟

في مفارقة ومقارنة بين المفهومان الأكثر حصارًا للإنسان؛ المعنى والسعادة. فهل الأفضل أن تكون إنسانًا واعيًا بذاتك متحصلاً بذلك على معنى ما من وجودك؟ أم الأفضل أن تكون نفسًا سعيدة بغض النظر عن طبيعة هذه السعادة، وطبيعة وعيك الذي يستوعب سعادتك بصفتك كلبًا – خنزيرًا، أو حمارًا. وهو سؤال لا نجيبه هنا، بل نحاول تفصيله وإجابته في مقال آخر -مثل أغلب الأسئلة المطروحة هنا.

هذا الطرح للمعنى، ينبثق عنه المعاني الثلاث الأسمى؛ الحق، الخير، الجمال.

فإذا تحدثنا عن الحق، فالسؤال يطرح نفسه

-هل الواقع موجود؟

لأنه يشكل الحقيقة الكبرى، متمثلة في الموت. وذلك التساؤل يهدم أي تصور يقيني للحقيقة، وربما أكثر الحقائق يقينية من بعد ذلك تظل هي النشاط الهدام والأكثر فتكًا، أي الموت.

أما إذا تحدثنا عن الخير، نجد السؤال يطرح نفسه

-هل حرية الإرادة موجودة حقًا؟

فطالما نحن مقيدين بمجموعة من الظروف البيئية والوراثية، النفسية والاجتماعية، أو ما جرى اصطلاحه أو اختزاله في مجموعة الظروف القدرية، فمتى يكون الرأي أو القرار، نابع من عمق ذواتنا. وهو ما يطرح أسئلة أخرى حول ماهية السببية وارتباطها بالصدفة.

هذه الإشكالية تحديدا -المعرفية وليست السببية فتلك الأخيرة أثارت صراعات فكرية أخرى قبل ذلك- انبثق عنها واحدة من أهم الصراعات الفكرية في القرن العشرين بين نعوم تشومسكي وميشيل فوكو حول الذات الأولى حاوية للقبلية المعرفية، أم هي مجرد صفحة بيضاء؟ أميل أكثر لفكرة الإستعدادت المعرفية التي يطرحها ’تشومسكي، ودليلنا أن آلية التعامل مع المعطيات واستقبالها لدى البشر، تختلف عن ما لدى الحيوان..

ولو تحدثنا عن الجمال، آه فإن السؤال الأول هو

-هل الجمال نسبي أم مطلق؟

وهو ما نحاول معالجته في مجموعة من المقالات حول مشكلة الجمال، ومشكلة الفن، ومشكلة الذائقة.

وفي العموم، ولأن وعينا هو ما يتلقى كل هذه المفاهيم والمعطيات، هناك سؤال ملح دوما، وهو هل الوعي باق، أم زائل. وعلى ما يبدوا أنه الأخير بحسب كل الشواهد والأدلة. وزوال هذا الوعي / الذات، وهو زوال يهددنا ومحتم علينا، يطرح السؤال التالي:

4. ما هو الموت؟ ما هي الحياة؟

والإثنين وجهان لعملة واحدة، الأكثر حضورًا هي الحياة، لأننا أحياء عند كتابة هذه الكلمات ولدى قراءتها. ولكن الأكثر وضوحًا مع ذلك يظل هو الموت مهما تجاهلناه أو أنكرناه. ويتجلى وضوحه في كونه غياب لأي من المفاهيم المتنازع عليها حول الحياة بصفتها (حياة / وجود / ذات / وعي / محاكاة) أو غيره. فإن الموت يظل مفهومًا ولا يحتمل أكثر من وجه مهما تدرجنا في معرفته، وهذا الاحتواء ينعكس بالتالي على الحياة أيضا كما أوضح ديكارت ومن بعده الفلاسفة الوجوديون. لذا الأسئلة الآتية مثل

-ما الفرق بين موت الإنسان وموت الحيوان؟

-هل الآلة -وهي عقل اصطناعي فائق الذكاء- تموت؟

-هل الموت داخل المحاكاة الأدبية -أو السينمائية أو الحاسوبية- يسمى موتا؟

-هل غياب الذكر هو موت بعد الموت؟

كل هذه التدرجات لا تنفي عن الموت طبيعته بكونه غيابًا للحضور، للحياة أو الوعي. مهما اختُلف حول هذا الأخير، كونه وعيًا خالصًا، أو وعيًا معالجًا ومحاكًا عن عقل آخر. وهو ما يدعونا للتساؤل -مثلا- حول كوننا نحلم أم نعيش في حلم شخص آخر، أو أن يقظتنا، وعيشنا ليست إلا حلمًا. فلا يمكنك، عزيزي القارئ، عادة، أو حتى بأي حال من الأحوال -كما أثبتت أو أوشكت الكثير من التجارب الذهنية الحادة- أن تثبت لي، أو لنفسك، أنك الآن لا تحلم. هذه الكلمات المستخدمة حاليا في صنع نوع من التردد، لتكشف عن حيرتك أو حيرتي. وأكبر دليل على صدق هذه الحيرة هي ظاهرة الأحلام الحسية التي تحتاج مقالاً لحالها. حيث تحلم دون أي إدراك بأنك تحلم، مع تشابه مخيف بين الحلم والواقع. هذه التدرجات وكمثال آخر تدعونا أيضا للتساؤل حول الشخصيات الأدبية التي لازالت حاضرة بقوة في واقعنا، أكثر حياة من أحيائنا وأمواتنا. كما يطرح تساؤل آخر فريد من نوعه، متكرر، ومؤرق للغاية، وهو:

هـــل ينبغي احترام الأموات؟

يقابله سؤال من نوع آخر

هــــل الحياة بلا معنى لو استطعنا العيش للأبد؟

أو

-هل ينبغي أن نخاف من الموت؟

-هل ننظر إلى الموت بصفته هادم للذات (السعادة) أم صانع للذوات (المعنى)؟

وذلك الموت هو زوال، وانطلاقا من السؤال الأول عن الوجود، يحيلنا إلى التساؤل عن الزوال الأكبر

5. العدم

من الأسئلة الكبرى التي تضيق حول الإنسان، بعد سؤاله عن ذاته، هو السؤال عن:

-الأصل

-المصير

-من أين أتت هذه الذات، وإلى أين تذهب؟

حيث يبني لنا التصور الأولي، والواضح في أسئلة أي طفل (والفلسفة تعيش طفولة مستمرة بعقل ناضج) أننا أتينا من مكان حيث لا مكان، وحيث لا شيء، لدرجة أن (اللاشيئية) نفسها لا تنطبق هنا، وكلماتنا عادة تحيل نفسها، ضمنيا ولكن بشكل صارخ، إلى وجود تنطق فيه هذه الكلمات. بينما نعجز فعلاً، الإشارة إلى العدم. نحن أتينا من العدم، ويظل الخوف الأكبر متمثلا في فرضية أن ما بعد الموت؛ عدم. أي لا ما بعد.

وقد أشارت التجارب الميتافيزيقية والإمبريقية إلى فرضية (وجود الشيء لا يتم إلا بإدراكه) حسب جورج باركلي -وهي مساهمة أخرى من فيلسوف كبير في الفلسفة الوجودية- وهي فرضية تؤدي إلى نتيجة مفادها أننا عاجزون عن صنع تصورات عن أشياء لم ندركها. ومسارات الإدراك المعنية هنا، هي القنوات الحسية. ولهذا لا يمكن للأعمى مثلا أن يتصور الألوان طالما لم يراها قط في حياته.

وهناك إشكالية أخرى مطروحة بالفعل، حول الوجود تمثلا، والوجود بالفعل، أي بين الوجود في وعينا، والوجود خارج عنه. وهي مسألة مطروحة منذ أفلاطون وأرسطو إلى شوبنهاور ونيتشه. وحتى يومنا هذا لم يتم الفصل فيها قط. والموجود تمثلا في ذهننا، إذا لم ندركه عقلا، أدركناه منطقا. المشكلة هنا، أننا لا بالمخيلة، ولا بالرياضيات أو المنطق -حتى لو كانت هناك بعض المسلمات التي تفرضها نظريات رياضية كبيرة إلا أنها لا تخلو من مشاكل كما أنها تسلم بالوجود ولا تصنع تصور تام- قادرين على الوصول إلى تصور حول أربعة أشياء لا يمكنك تخيلها أبدا مهما حاولت.

1-العدم

2-إجتماع النقيضين

3-ما فوق البعد الثالث

4-اللانهائية

وهذا يقودنا إلى مفهوم آخر مراوغ، ومجاور للعدم، هو:

6.اللانهائية

من المستغرب جدًا، أن هناك شبه يقين، بوجود مفاهيم وأشياء حولنا، ندركها جزئيًا رغم أنها تكاد تنفصل عن الواقع بشكل شبه كلي. مفاهيم مثل الزمن، العدم، اللانهائية. وهناك بعض الحلول الجزئية التي توصل لها العلماء والمفكرين نعرضها في مقال آخر. ولكن مختصره أن تصورنا عن إمتداد معين للأعداد يأتي باستيعاب جزئي لما بعد ما قد نصل إليه احتمالاً إذا استمررنا بالعد، ولكننا أبدا لن نصل إلى النهاية. هذه هي اللانهائية، امتداد لا نهائي لا نصل إلى أطرافه، ففي هذا تناقض لأن (وصول=حدود). أي نهاية.

7.الرب

الاسم وحده يكفي، ويوقع بثقله على رؤوسنا مجموعة عويصة من الأسئلة:

-هل الإله موجود؟

-من هو الرب؟

-ما حدود/ طبيعة قدراته؟

كتبها:

رايفين فرجاني

فيسبوك