التصنيفات
فنون أفكار تصميم الغرافيكس ثقافة

لماذا أغلفة الكتب العربية سيئة

لماذا تصاميم الكتب الأجنبية ملفتة وجذابة كعمل فني فيما العربية ليست كذلك

بدأ الأمر في غابر الزمان عندما اعتبر العلماء والمتعلمون أن محتوى الكتاب هو المهم فقط، وأن أي اهتمام بتنميق الكتاب، ونعومة ورقه، وتصميمه هو بذخ لا يضيف شيئًا لقيمة الكتاب، بل ربما يشتت الانتباه عن جوهره. يقول الجاحظ في انتقاد إنفاق الزنادقة على كتبهم: “ولو كانوا أرادوا العلم لكان العلم لهم معرضًا، وكتب الحكمة لهم مبذولة، والطرق إليها سهلة معروفة” ثم يضيف شارحًا: “ذلك الحسن الرائع والمحاسن الدقاق، مذهلة للقلوب، ومشغلة دون الخشوع، وأن البال لا يكون مجتمعًا وهناك شيء يفرقه ويعترض عليه” وينتهي بوصف الإنفاق على تزيين الكتب بأنه تمويه كتمويه “الدينار البهرج، والدرهم الزائف ” وكلما زاد فساد المحتوى زادت الحاجة للترقيع والتمويه.

الزخارف والتصاميم الوحيدة التي وصلتنا أتت عبر كتاب الله نظرًا لأهميته المعنوية لدى مقتنييه، فيما عدا ذلك، كانت صعوبة النسخ يدويًا تُحتم عدم الاهتمام بتنميق الكتب. بعكس الكتب في العصور الوسطى في أوربا، حيث كان ينسخها رهبان مختصون للاحتفاظ بها كأصول ثمينة لدى الأديرة، ثم كأداة مفاخرة وتزيين لمكتبات الأرستقراطيين، فوجب الاهتمام بنوعيتها ومظهرها.

مع توارث هذه النظرة ظهرت، أيضًا، قضية أن الناشر العربي يعمل مع هامش ربح ضيق جدًا، وأي زيادة في ثمن الكتاب ستدفع بالقارئ بعيدًا، وهو في الأساس ممتعض من ارتفاع أسعار الكتب مقارنة بالدخل المتواضع. لذلك لم توظف دور النشر مختصين لتصميم الكتب وأغلفتها، وفي حين أن دور النشر العالمية توظف فريقًا كاملا يتكون من مخرج فني، ومصممين، ومنضدين، فإن الدور العربية اكتفت بمصمم واحد في أحسن الأحوال، بينما اتخذ مدير الدار لوحده جميع القرارات المتعلقة بشكل الكتاب ونوعيته بناء على استراتيجيات مادية دون أخذ الجمالية في الحسبان نهائيًا.

لكن، سواءً أعجبنا الأمر أما لا، فإن غلاف الكتاب هو عملية التواصل الأولى بين القارئ المحتمل ونص المؤلف. وتصميم غلاف الكتاب هو عملية وضع مخطوط المؤلف في متناول القارئ، عبر تجسيده- وإعطائه نموذجًا. غلاف الكتاب الناجح يجعل القارئ “يشعر” بنص المؤلف بدلاً من “إخباره” عنها.

بدأنا نلاحظ أثر تصميم أغلفة الكتب بشكل أوضح مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة انستغرام، حيث لم يعد محتوى الكتاب هو فقط المهم، بل ظهرت الحاجة لصورة جميلة تجذب المتصفح خلال بضعة أجزاء من الثانية وسط كم هائل من الصور. دفع هذا الأمر دور النشر العربية لالتفاف لأهمية تصميم الكتب والخروج بها بمظهر يتجاوز صورة مع عنوان في الوسط، وظهرت دور تختص بطباعة كتب ذات قيمة جمالية مثل “مقبرة الكتب” التي تحاول أن تنتج كتب مثل دار Folio society الإنجليزية.

مع ذلك ما تزال تصاميم الكتب غرة، وبعيدة عن الاحترافية وضعيفة القيمة الفنية، ويرجع ذلك لعدة أمور، تنطبق على العديد من أفرع التصميم وليس فقط على الكتب.

قلة الاكتراث

كما أسلفت، هنالك اعتقاد متوارث وسائد بأن تصميم الكتب هو مظهر خارجي غير مهم. وهنالك فوق ذلك عدم اكتراث أشمل لا يرى في القيم الجمالية أي قيمة مضافة، بل مجرد تكلفة. ليس هنالك إدراك أن النفس البشرية تطلب الفن في كل غرض، وأن الكتب لا تٌقرأ فقط، بل تستخدم كغرض تزيني وتوضع في صدر المنزل، وأن الغلاف لا يحمل عنوان الكتاب واسم مؤلفه فقط بل هو أول نقطة تواصل مع القارئ؛ سيخبره عن الاسلوب المتوقع، هل الكتاب حداثي أو كلاسيكي، الموضوع العام، تصنيف الكتاب…الخ. عندما يختار الناس كتابًا لقراءته، فإن أول لقاء لهم ليس بمحتوياته، ولكن بتصميم غلافه. إنها التجربة الأولى التي يخوضونها مع الكتاب. لذلك، يجب أن يقعوا في حبه في تلك النظرة الأولى نفسها. لذا، فإن الطريقة التي يثير بها تصميم الغلاف إعجاب القارئ أمر ضروري للغاية بالنسبة لمصمم غلاف الكتاب. إذا لم يكن المشترون معجبين بشكل إيجابي بتصميم غلاف الكتاب، فلن يشتروه أو يشاركوه ببساطة. كما يشير الغلاف إلى جودة المحتويات، ومدى اكتراث الدار بالكتاب.

مع تغير العالم في كل دقيقة، يحتاج الناس أيضًا إلى أشياء جديدة. لا أحد يحب الأشياء التي لا معنى لها. في نسختين من نفس الكتاب، تباع النسخ الأكثر أناقة بكل تأكيد. لذا، فإن الإبداع هو أفضل شيء يجب على مصمم الغلاف القيام به. الإبداع هو أفضل أداة تستخدم في تصميم الكتب القادرة على مخاطبة قلوب القراء.

غياب خطة إخراج فني واضحة

في حين توظف دور النشر العالمية مثلpenguin  مخرجين فنيين لتصميم العلامة التجارية، وكل خط أو سلسلة على حدا، نجد عشوائية تامة في النشر العربي. ليس هنالك نظرة شاملة للعلامة التجارية وما الذي تعكسه عن الدار. وفي حين أن تصميم إصدارات بينغوين للكتب الزهيدة الثمن يتألف من لون أحادي وكتابة في المنتصف إلا أنه كان نتيجة دراسة متأنية وقرار فني مدروس، في حين أن عملين لنفس الكاتب ونفس الدار العربية قد يخرجان بشكلين مختلفين تمامًا، وكل إصدار يعطي انطباعًا مختلفًا عن المؤلف.

يعرف فوتوشوب لا يعني أنه يعرف التصميم

هنالك سوء اعتقاد بالغ بأن الشخص الذي يعرف كيف يستخدم برامج التصميم يستطيع تصميم العمل المطلوب، وعلى هذا المبدأ يتم اختبار المصممين، وتعيينهم، وتكليفهم بالأعمال.

التصميم علم قائم بذاته وغير مرتبط ببرامج محددة. هنالك منهجية لاستخدام الألوان، وتصميم الخطوط وكيفية استخدامها، وطرق التنضيد المختلفة، وغير ذلك الكثير. ليست الألوان الباهرة هي الخيار الأول لمصمم محترف، ولا توسيط النص على الغلاف، ولا استخدام أكبر حجم له- العديد من الأمور التي نعتقد أنها أولية هي في الحقيقة ممارسات سيئة في التصميم. نعم، المقدرة التقنية مهمة، لكن ذلك لا يعني إهمال المعرفة؛ إن لم يطلع المصمم على المدارس والتوجهات الفنية، ويدرس التصميم بشكل منهجي فلن يرتقي بالتصميم من مهنة إلى فن.

المصمم لا يقرأ الكتاب

ترسل أغلب دور النشر ملخصًا للمصمم يستخدمه في تصور مظهر الكتاب. قد يكون ذلك كافيًا لاختيار صورة لكتاب تجاري للمراهقين، ولكن لتصميم كتاب جيد يجب أن يصل المصمم لروحه ويلمس جوهره. في تصميمه الأيقوني لرواية عوليس  يستخدم Ernst Reichl تصميمًا عمليًا ودراميًا يبدو نتاج الحداثة مثل النص نفسه. وقد استخدم الخط كجهاز تركيبي ذا معنى في حد ذاته من دون عون الصورة. ويعكس الخط العامودي الطويل الطريق الذي سلكه بطل الرواية ليوبولد بلوم. لقد قرأ المصمم الكتاب وفهمه جيدًا، وعندما ينهي القارئ الرواية أيضًا سيقدر عمل المصمم أكثر.

عدم احترام ذكاء وثقافة القارئ

هذا الأمر قاسٍ، ولكنه صحيح للأسف. الكثير من دور النشر تبني منهجيتها للتصميم على مبدأ أن المشتري لن يستوعب أكثر من الأمور البسيطة المعتادة- يرفضون التصاميم المختزلة المريحة، والرسومات العميقة، والترتيب الغير معتاد بدعوى أن القارئ لن يفهم الإشارة، ولا يمتلك الذوق الفني المتطور لفهم جمالية هذه الأمور.

يجب تصميم أغلفة الكتب بطريقة تمكن الناس من التفكير. يجب أن يكون هناك شيء يعزز تفكير القراء. على سبيل المثال، يجب إعطاء القراء فرصة على الأقل للعثور على العلاقة بين العنوان والصورة- وليس مجرد صورة للمؤلف، مثلاً- عندها سيشعر القراء بالتواصل والسعادة.

يشعر الناس بالاشمئزاز من تصميمات الغلاف الشائعة والرخيصة، ويفضلون تصميمات أغلفة استثنائية لكسر رتابة بحر أغلفة الكتب التي يرونها في المتجر. وقد تكون الأغلفة القائمة على الأفلام هي الأكثر، او التي تبدو كأنها صنعت على برنامج وورد هي الأشد بغضًا. يأمل معظم القراء في الوصول إلى محتوى استثنائي وراء أغلفة استثنائية. لذلك، إذا كان المصممون يحترمون القراء، فيجب عليهم التفكير بعمق قبل البدء في التصميم.

تطبيق عملي على ما سبق

  • تصاميم سيئة فقط

مع أن دار الجمل دار عريقة وتبذل مجهودًا في ترجمة وتقديم كتب مهمة للقارئ العربي، إلا أنا هذا الجهد لا ينعكس في تصميم الكتب (ولا نوعيتها)، ونجد دائمًا هذه الخلطة المكررة لصورة المؤلف أسفل العنوان العريض، مع كل شيء في المنتصف. تصميم رتيب وممل جدًا، يبدو كأنه مصنوع في خمس دقائق على الوورد، ولا يعكس تعب المترجم، ولا أهمية الكتاب.

والأمر مشابه مع غلاف زراداشتلدار التنوع الثقافي ولكن بشكل أسوأ، حيث الحواف مموهة وخط غريب وكأن التصميم كله خارج من الرسام في نظام ويندوز 98. نفس المسألة مع كتاب أصل الأنواع والصور النمطية (قارنه بتصميم Caleb Heisey). وكذلك أبناء الغبار (أو أي رواية مشابهة للدار العربية في الحقيقة)، حيث لا يبدو أن هنالك أي صلة بين الصورة والعمل، زد على ذلك كمية الكتابة بالسويدية والتي لا تفيد في شيء سواء تشتيت النظر أكثر.

  لا بد أن القارئ العربي قد تعود على هذه النماذج لصورة المؤلف مع العنوان كيفما اتفق، لا جهد، ولا ذوق، ولا احترام للقارئ أو أنه يدفع مبلغًا من المال لقاء هذه الكتب. لقد بذل مجهود أكثر على تصميم علبة معجون الأسنان أكثر من أي من هذه الكتب.

  • تصاميم تحاول، ولكنها ماتزال سيئة

الكتب السابقة لم يبذل ناشروها أي جهد في تصميمها أو اخرجها بمنظر حسن، لكن في بعض الأحيان يحاول الناشرون فعل شيء جميل ويفشلون بسبب الأمور التي ذكرناها سابقًا. مثلاً، تصميم سلسلة أعمال كافكا لدار الرافدين. تعمل الرافدين بجد على إخراج الكتب بشكل مختلف وجذاب للقارئ والترويج على الانترنت، لكن وقعت الدار -والمصمم قبلها- في خطأ فظيع هنا؛ فالسلسلة تحاول تقليد السلسلة الإنكليزية التي تتبنى صور Jacob Sutton. يحتسب للدار انها لم تستخدم أيضًا صورًا مسروقة بدقة منخفضة، لكن الفرق بين التصميمين أن بينغوين فهمت جوهر أعمال كافكا، وتعكس الصور سريالية أعمال كافكا وأسلوبها الحداثي، مع طابع سوداوي صادم، ولكن لا يشبه كليشيهات قصص الرعب. الصور تعبيرية؛ تشبه الرقص المعاصر. في حين أن صور الرافدين هي حرفية، وهو امر بعيد عن الصواب ويعطي لمحة خاطئة عن القصة، كأن سامسا، مثلاً، كان يتصور نفسه حشرة نتيجة مرض نفسي… الصور تحمل سخافة صبيانية وتجعلنا نتساءل لماذا يلف رجل بالغ نفسه بملائة ويدعي أنه قلعة!

نتج هذا الأمر لضعف المصمم، على ما يبدو، في فهم الفن ورموزه، وعدم الاطلاع بعمق على العمل قيد التصميم، وأخيرًا الاستهانة بالقارئ العربي والاعتقاد بأنه لن يفهم الصور وبالتالي وجب جعلها أقل تجريدية وأكثر حرفية.

المثال الآخر هو “عشيقات نيتشه” حيث يبدو أن المصمم يحاول هنا، ولكن يحاول بشدة، ومن دون فهم لمبادئ التصميم. كتابة حرف “ت” تبدو كمحاولة للخروج من الخطوط المعتادة ولكن طريقة قطعها تجعلها تبدو ككلمة ناقصة، تربك القارئ عند قراءتها، والزخرفات والورود لا معنى لها أبدًا في التصميم، لكن الطامة الكبرى هي أن الصورة لنيتشه ووالدته وليس أي من عشيقاته.

لكن أحد أكثر التصاميم الصادمة، رغم أنه يبدو كعمل محترف، هو تصميم بينوكيو للمتوسط. أي صورة نود نقلها للأطفال عن دمية معلقة من المشنقة؟ هذا ما هو الأمر عليه حقيقةً، لكن الغريب هو كيف وافقت الدار على هذا التصميم؟ ألم ينتبه أحد لهذه السقطة؟

الأمور ليست سوداوية حتى النهاية

تصميم الكتب العربية مسألة متدهورة مثل قضية النشر العربي ككل، وبحاجة لإنعاش كما يحتاج القطاع بمجمله. لكن الأمور ليست سوداوية بالكامل، أو بالأحرى بدأنا نرى بوادر تحسن مع ضغط النشر على مواقع التواصل الاجتماعي وبحث القراء على أمور جميلة لمشاركتها.

 تبرز هنا ديوان للنشر مع سلسلة أعمال نجيب محفوظ، ودار التنوير مع عدد من الإصدارات الجميلة وخاصة تصميم كتب غابرييل غارسيا ماركيز، وكتاب سيدات القمر عن دار الآداب، وكتاب الكون يحاكم الإله عن منشورات الجمل، اختيار الصورة للأخير، لا أقول أنه جميل فقط، بل عبقري (أود القول أنهم عوضوا عن كل التصاميم الأخرى، ولكن الأخيرة سيئة بشكل لا يبرر)، وهنالك العديد من الدور الناشئة التي تحاول اختراق السوق عبر إصدارات مختلفة وجذابة، مثل سبعة وكلمات والرافدين، لكن ما يزال الأمر للكثير من العمل مع الانتباه للقضايا الآنفة.

كتبها:

رافاييل لايساندر