خلال السنوات الأولى من خدمتي في عائلة الدكتور فلينت، كنت معتادة على التساهل مع أطفال سيدتي.
على الرغم من أن هذا لم يكن يبدو غير كأمر عادي، إلا أنني كنتُ ممتنة لذلك وحاولت أن أستحق اللطف من خلال أداء واجباتي بإخلاص. لكن دخولي في سنتي الخامسة عشرة، كان حقبة حزينة في حياة جارية. بدأ سيدي يهمس في أذني بالكلمات البذيئة. ولكوني شابة، لم أستطع غض النظر عن مغزاها. حاولت التعامل معها بلامبالاة أو ازدراء. لكن عمر السيد، وشبابي الغر، والخوف من إبلاغ جدتي بسلوكه، جعله يُحملني هذه المعاملة لعدة أشهر. كان رجلاً ماكرًا ولجأ إلى العديد من الوسائل لتحقيق أغراضه. في بعض الأحيان كانت لديه طرق عاصفة ومرعبة جعلت ضحاياه ترتعد. في بعض الأحيان كان يتظاهر بالطف الذي يجب أن يخفف منه ولا شك. من بين الاثنين، كنت أفضِل مزاجه العاصف، رغم أنه يجعلني أرتجف. لقد بذل قصارى جهده لإفساد المبادئ النقية التي غرستها جدتي فيّ. لقد وطن عقلي الصغير بصور غير نظيفة، لا تخطر إلا على بال وحش فظيع. ابتعدت عنه باشمئزاز وكراهية، لكنه كان سيدي؛ اضطررت للعيش معه تحت سقف واحد، حيث رأيت رجلاً يكبرني أربعين عامًا ينتهك يوميًا أقدس وصايا الطبيعة. قال لي إنني ملكه، ويجب أن أخضع لإرادته في كل شيء. ثارت روحي على الطغيان اللئيم. لكن أين يمكنني أن أتجه للحماية؟ بغض النظر عما إذا كانت الفتاة الخادمة سوداء مثل خشب الأبنوس أو جميلة مثل سيدتها. في كلتا الحالتين لا يوجد ظل قانون ليحميها من الإهانة أو العنف أو حتى الموت؛ كل هذا تتسبب به الشياطين التي تتخذ أشكال الرجال. السيدة، التي يجب أن تحمي الضحية التي لا حول لها ولا قوة، ليس لديها اتجاهها سوى مشاعر الغيرة والغضب. الذل والخطايا والرذائل التي تنشأ من العبودية هي أكثر مما أستطيع وصفه، وأكبر مما قد تعتقد بحسن نية. بالتأكيد، لو تصدق نصف الحقائق التي تصلك فيما يتعلق بالملايين الذين لا حول لهم ولا قوة والذين يعانون هذه العبودية القاسية، فلن تساعد في تضييق العبودية في الشمال. من المؤكد أنك سترفض أن تفعل للسيد، على أرضك الخاصة، العمل اللئيم والقاسي الذي درب كلاب الدم ومنحطي البيض على إنجازه له في الجنوب.
في كل مكان تجلب السنون ما فيه الكفاية من الخطيئة والحزن، ولكن في ظل العبودية، فإن فجر الحياة نفسه يُظلم بسبب هذه الظلال. حتى الطفلة الصغيرة التي اعتادت خدمة سيدتها وأولادها ستتعلم قبل أن تبلغ الثانية عشرة من عمرها، لماذا تكره سيدتها كذا وكذا في العبيد. ربما تكون والدة الطفلة من بين هؤلاء المكروهين. تستمع إلى تفشي مشاعر الغيرة ولا يمكنها فهم السبب. ستتعرف على الشر قبل الأوان. وسرعان ما ستتعلم كيف ترتجف عندما تسمع وقع أقدام سيدها. سوف تضطر إلى إدراك أنها لم تعد طفلة. إذا كان الرب قد وهبها الجمال، فسيكون ذلك أكبر لعنة عليها. إن ما يثير الإعجاب بالمرأة البيضاء لا يؤدي إلا إلى تسريع مذلة الجارية. أعلم أن البعض يتعرضون لمعاملة عبودية وحشية لدرجة أنهم لا يشعرون بذل وضعهم، لكن العديد من العبيد يشعرون بذلك بحدة ويرتعدون لتلك الذكرى. لا أستطيع أن أصف كم عانيت تحت هذه الخطايا، ولا كيف ما زلت أتألم من تذكر الأحداث الماضية. يظهر لي سيدي عند كل منعطف، ويذكرني بأنني أنتمي إليه، ويقسم بالسماء والأرض أنه سيجبرني على الخضوع له. إذا خرجت لآخذ نفسًا من الهواء النقي بعد يوم من الكدح، فإن خطواته تلاحقني. إذا ركعت على ركبي بجانب قبر أمي، فإن ظله الداكن يغشاني حتى هناك. القلب الصغير الذي أعطتني إياه الطبيعة مثقلٌ بالنذر الحزينة. لاحظ العبيد الآخرون في منزل سيدي التغيير، وكثيرٌ منهم أشفق علي، لكن لا أحد يجرؤ على التساؤل عن السبب. لم يكن لديهم حاجة للاستفسار. كانوا يعرفون جيدًا الممارسات المحرمة تحت هذا السقف، وكانوا مدركين أن الحديث عنها كان جريمة لا تمر أبدًا دون عقاب. كنت أتوق إلى شخص ما لأثق به. كنت لأمنح العالم لأضع رأسي على حضن جدتي وأخبرها بكل مشاكلي. لكن الدكتور فلينت أقسم أنه سيقتلني إن لم أصبح صامتة كالقبر. وعلى الرغم من أن جدتي كانت كل شيء بالنسبة لي، إلا أنني كنت أخافها كما أحببتها. لقد اعتدت أن أنظر إليها باحترام يقترب من الرهبة. كنت صغيرة جدًا وشعرت بالخجل من إخبارها بمثل هذه الأشياء غير الطاهرة، خاصة وأنني عرفتها بأنها صارمة للغاية في مثل هذه الموضوعات. علاوة على ذلك، كانت امرأة ذات روح سامية. كانت عادة هادئة للغاية في سلوكها، ولكن إذا استيقظ سخطها مرة، لم يكن من السهل إخماده. قيل لي إنها طاردت ذات مرة رجلاً أبيض بمسدس محشو لأنه أهان إحدى بناتها. لقد خفت عواقب الانفجار العنيف، وأبقاني الكبرياء والخوف صامتة. لكن على الرغم من أنني لم أسار جدتي، وحتى تهربت من تقصيها اليقظ، إلا أن وجودها في الحي كان بمثابة حماية لي. على الرغم من أنها كانت جارية، إلا أن الدكتور فلينت كان يخاف منها. كان يخشى توبيخها اللاذع. علاوة على ذلك، فقد كانت معروفة ومقدرة من قبل العديد من الناس، ولم يكن يرغب في فضح رذائله على الملأ. كنت محظوظة لأنني لم أعيش في مزرعة بعيدة ولكن في بلدة ليست كبيرة لدرجة أن السكان كانوا يجهلون شؤون بعضهم البعض. رغم سوء القوانين والعادات السائدة في مجتمع الرقيق، إلا أن الطبيب، كرجل محترف، اعتبر أنه من الحكمة الحفاظ على بعض مظاهر الحشمة الخارجية.
يا لها من أيام وليالٍ جعلني هذا الرجل أعيشها في خوف وحزن! أيها القارئ، لا من أجل إيقاظ الشفقة على وضعي أخبرك بصدق ما عانيته في العبودية. أفعل ذلك لإيقاد شعلة التعاطف في قلوبكم نحو أخواتي اللاتي ما زلن في العبودية، يعانين كما عانيت من قبل.
ترجمها: رافاييل لايساندر