شاهد كثيرٌ منا أنمي Cowboy Bebop أو على الأقل سمعوا به في وقت من الاوقات، ولمن شاهدوه فهذا الانمي ترك أثرًا عميقًا فيهم غالبًا، وجعلهم يرون الأنمي بشكل مختلف تمامًا، وفتح لهم الباب ليروا أشياء عديدة في الحياة بشكل مختلف، ومن ثم يفكرون ويشعرون بها بشكل مختلف. وأكتب هذه المراجعة في محاولة لتوضيح بعض أسباب اختلاف هذا الانمي وتميزه، وما تحاول أن تقوله لنا أحداثه وشخصياته. ولمن لم يشاهدوه، فأتمنى أن يحفزهم هذا المقال على ذلك، رغم ما يحتويه على حرق لبعض الاحداث.
عدد الحلقات: 26
مسرح الاحداث: تدور أحداث الانمي عام 2071، في مستقبل تسوده الفوضي بعد ما هجر معظم البشر كوكب الأرض، وأصبح غير صالح للحياة في غالبيته، ليتناثروا على كواكب عدة في الفضاء الخارجي.
ما بعد النهاية السعيدة
نستطيع أن نرى أن مآسي أبطال الأنمي الخمسة: Spike، Jet، Faye، Ed، Ein-ولقد اعتبرت ان الكلب الظريفEin أحد الابطال بالفعل- تبدأ بعد “النهاية السعيدة”، ونستطيع أن نرى ذلك بوضوح في قصة Jet، الذي عمل كضابط شرطة وكان متزوجًا وحياته مستقرة، حيث تنتهي قصص الاطفال والأفلام الرومانسية عادةً، وتنبئ عن حياة سعيدة يعيشها الزوجان الى آخر عمرهما! ولكن في هذا الانمي، نرى كيف يمكن أن تسير الحياة بعد إسدال ستار النهاية السعيدة، ويطرح الانمي فكرة كيف يمكن أن تفسد الحياة وتحيد عن مسارها الذي توقعناه، وكيف يمكن أن نخسر كل شيء أحببناه بعد حصولنا عليه. فنرىJet يتعرض للخيانة من زميله في الشرطة بسبب الفساد، وكيف أراد الفاسدون في الشرطة قتله لكونه “ضابط صالح”، فيضطر بعدها لترك عمله، فيخسر مصدر رزقه، ويخسر بعدها أيضًا زوجته التي يحبها، ويعود الى المنزل ليرى أنها تركت له ورقة مكتوب فيها “وداعا” وساعة جيب. أي أنه خسر حياته التي أحبها واستمتع بها لفترة، لكنها لا تستمر كما أراد وتوقع، وكما تعلم من والديه ومدرسته والمجتمع بأفكاره التقليدية، ليجد أن النهاية السعيدة انقلبت بداية تعيسة، بداية لحياة جديدة لم يخترها، ولكن تم إجباره على أن يبدأ فيها.
هل نستطيع ان نتجاوز الماضي؟
ومن Jet ننتقل الى Spike، الذي كان يعمل في مافيا تدعى “التنين الاحمر”، ويقرر أن يتركها وأن يزيف موته لكيلا تلاحقه المافيا بعد ذلك، ويحاول أن يقنع زميلته Julia التي يحبها بأن تهرب معه ويبدآ حياة جديدة معًا، فيعطيها ورقة مكتوب فيها الموعد ومكان اللقاء لكي تأتي اليه في حالة موافقتها. يشتري لها الازهار ويذهب للمكان في الموعد المحدد ولكنها لا تأتي، فيرمي الازهار ويذهب. ويبدأ من حينها العمل كصائد جوائز؛ أي يقوم، مع Jet، بالقبض على الخارجين عن القانون وتسليمهم للشرطة واخذ مكافأة مالية ولكنه لا يستطيع تجاوز الماضي، فهو يعمل لصيد جائزة بعد اخرى ليستطيع أن يبقى على قيد الحياة فقط، ولا يدخل في أي علاقة مع امرأة أخرى، ويبدو دائمًا كسولاً غير مبالي، وكأنه شبح من ذاته القديمة فقط- وكأن ذاته قد أسِرت في الماضي ولم تتحرر منه، فيما يهيم هو بعد ذلك بلا هدف ولا طموح ولا ارادة للوصول الى اي شيء أو تحقيق أي شيء. لأنه بالنسبة اليه قد خسر هو ايضا مثل Jet، كل شيء أراده وتمناه بالفعل في الماضي، وأصبح الحاضر مجرد سباحة مع التيار بلا هدف، والمستقبل مثل سماء الليل التي بلا قمر ولا نجوم؛ معتمًا وبلا أي إرشاد لطريق أو قصد.
هل تستطيع ان تعيش بفجوة في صدرك؟
تكمل Faye الحلقة التي بدأها ’جيت ثم ’سبايك، حيث أنها كانت تعيش حياة سعيدة مع أهلها وكانت فتاة مترفة، ثم تعرضت هي وعائلتها لحادث، ففقدت عائلتها وتم تجميد جسدها لتُعالج بعد عشرات السنين فتفيق لتجد أن كل ماضيها وما كانت تملكه وتعرفه فيه قد تبخر، وفقدت ذاكرتها وعائلتها وحتى العالم الذي أفاقت فيه لم تعد قادرة على التعرف عليه، فكل شيء قد تغير خلال سنوات تجميدها. وحتى عندما تسترجع شيئًا من ذاكرتها، فإنها تدرك أنها لم تعد الشخص التى كانت عليه من قبل. عندما رأت نفسها في شريط فيديو، لم تستطع التعرف على نفسها، وعندما وجدت بيت أهلها القديم، كان قد تحول الى ركام، فلم يعد أمامها إلا المضي قدمًا، مثل ’سبايك و’جيت. ولكن كيف يمضي الانسان قدما في الحياة عندما يفقد كل شئ؟ عندما يكون كل شئ قد احبه وحصل عليه وجعله سعيدًا، أصبح في الماضي، فلم يعد ذلك الشخص الذي خسر كل شئ في الماضي يتطلع الى المستقبل، لأنه يظن أن أجمل أيام حياته وسعادته الحقيقية هي في الماضي وليست في المستقبل، فلم يعد ينظر امامه، بل ينظر الى الخلف باستمرار. هؤلاء الثلاثة يعيشون في الحاضر بأجسادهم فقط، ويعيشون في الماضي بعقولهم وقلوبهم. ولأنهم لا يستطيعون تجاوز الماضي والبدء من جديد، فأنهم لا يتطلعون إلى المستقبل ولا يرون فيه أي أمل. ولكن في هذا الانمي من استطاع أن يكسر هذه الحلقة، ألا وهي الطفلة المشاكسة Ed والكلب الظريف Ein.
هناك دائمًا أمل، فانظر جيدًا
تعرضت الطفلة العبقرية المشاكسة Ed ، التي لا نعرف عن ماضيها الكثير، لخيبة أمل في الماضي أيضًا رغم صغر سنها. تركها أبوها ونسيها في ملجأ للأيتام، وعندما التقى بها، تركها مرة اخرى بلا اكتراث ساعيًا خلف عمله، ولم يتذكر حتى إذا كانت فتاة ام صبيًا! ويرى أن ذلك غير مهم، فرغم ما تعرضت اليه هذه الفتاة الصغيرة من ألم في الماضي، وأيضا في الحاضر، إلا أنها لم تدع ذلك يمنعها من الأمل في المستقبل، بل إنها تعاملت مع الامر ببساطة وبحكمة في آن، ولسان حالها يقول: الحياة كما هي والناس كما هم، فلنتعايش مع ذلك بروح مرحة ولنستمتع بحياتنا، لأننا لن نستطيع تغيير الحياة ولا الناس، وليس من المفيد البكاء على الاطلال والوقوف عند حسرات الماضي، بل يجب المضي قدما في الحياة على كل حال، ولنتجاوز الماضي عن طريق الامل في المستقبل والتطلع اليه والسعي خلف أهداف، وتطلعات، وأحلام جديدة. كأن المستقبل مازال فتيًا مليئًا بالاحتمالات والإمكانات والفرص، مثل الطفلة Ed. ونرى من خلال هذه الطفلة كيف يمكن أن يتعامل الناس بطرق مختلفة مع أحزانهم ومآسيهم: إما أن توقفهم عن الحياة مثل حالة Spikeو Jetو Faye، أو أن يمضوا قدمًا رغم كل ما مروا به ويتطلعوا إلى المستقبل بأمل. وهذا ما نراه في مغادرة Ed وEin للمركبة الفضائية التي كان الخمسة يعيشون فيها معًا، وانطلاق الصغيرين نحو افاق جديدة ومستقبل جديد وتركهما للماضي ومن يعيشون فيه.
ستحمل أنت ذلك العبء
هذه هي العبارة التي ظهرت بعد انتهاء الحلقة الاخيرة، You’re gonna carry that weight ، والتي قد تعني، أننا نحن المشاهدين أيضًا سنحمل ذلك العبء- عبء آلام الماضي وصعوبة تجاوزه، عبء المُضي قدمًا في الحاضر رغم فداحة ما خسرناه، وعبء التطلع إلى المستقبل والسعي إليه بعد كل ما مررنا به من تجارب وأحزان وخيبات.