التصنيفات
أصوات الزمن

شاهد على الزلزال

جاك لندن يصف الزلزال

صباح الأربعاء في الخامسة والربع أتى الزلزال. بعد دقيقة كانت ألسنة اللهب تقفز مشتعلة. في اثني عشر حيًا مختلفًا جنوب شارع السوق، في حي اليهود للطبقة العاملة، وفي المصانع، اندلعت الحرائق. لم تكن هناك مقاومة للهب. لم تكن هناك تنظيم، ولا اتصال. لقد حطم الزلزال كل الترتيبات الذكية لمدينة من القرن العشرين. تحدبت الشوارع على شكل تلال وأودية، وتراكم عليها حطام الجدران المتساقطة. التوت قضبان السكك الحديدية على زوايا عمودية وأفقية. تعطلت أنظمة الهاتف والبرق. وانفجرت ينابيع المياه. جميع الاختراعات والضمانات العبقرية للإنسان تعطلت نتيجة ارتعاش ثلاثين ثانية في القشرة الأرضية.

بحلول بعد ظهر الأربعاء، في غضون اثنتي عشرة ساعة، اختفى نصف قلب المدينة. في ذلك الوقت شاهدتُ الحريق الهائل من الخارج. ساد هدوء قاتل. لم تتحرك نسمة ريح. مع ذلك، هبت الرياح على المدينة من كل جانب. كانت رياح قوية شرقية وغربية وشمالية وجنوبية تهب على المدينة المنكوبة. تسبب ارتفاع الهواء الساخن في تشكل امتصاص كبير. وهكذا قامت النار نفسها ببناء مدخنة ضخمة خاصة بها عبر الغلاف الجوي. استمر هذا الهدوء القاتل ليل نهار، ومع ذلك، بالقرب من النيران، كانت الرياح في كثير من الأحيان شبه عاصفة، وكان الامتصاص رهيبًا.

قبل النيران، فر عشرات الآلاف من المشردين خلال الليل. كان البعض ملفوفًا في بطانيات. وحمل آخرون حزمًا من الفراش وكنوزًا منزلية عزيزة. في بعض الأحيان سخرت عربة توصيل مثقلة بممتلكاتهم لعائلة كاملة. استخدمت عربات الأطفال وعربات الألعاب وعربات التسوق كشاحنات، بينما سحب كل شخص آخر صندوقًا خلفه.

على هذه الأمتعة حطم رجالٌ أقوياء قلوبهم تلك الليلة. تلال سان فرانسيسكو شديدة الانحدار، وعلى ارتفاع هذه التلال، ميلًا بعد ميل، جرت صناديق الممتلكات. في كل مكان رقدت الأمتعة مع أصحابها المرهقين، رجالاً ونساءً. قبل زحف ألسنة اللهب كانت هنالك صفوف من الجنود. ومجموعة كل مرة، مع تقدم النيران، تراجعت هذه الصفوف. كانت إحدى مهامهم الحفاظ على حركة ساحبي الأمتعة. كانت المخلوقات المنهكة، التي يحركها تهديد الحراب، تنهض وتكافح فوق الأرصفة شديدة الانحدار، وتتوقف من الوهن كل متر ونصف أو ثلاثة أمتار.

في كثير من الأحيان، بعد التغلب على تلة مفجعة، يجدون جدارًا آخر من اللهب يتقدم نحوهم بزاوية قائمة ويضطرون إلى تغيير خط هروبهم من جديد. في النهاية، بعد الكد لمدة اثنتي عشرة ساعة مثل العمالقة وقد أنهكوا تمامًا، اضطر الآلاف منهم إلى التخلي عن أمتعتهم. هنا كان أصحاب المتاجر والأعضاء الناعمون من الطبقة الوسطى في وضع سيء، أما العمال فحفروا في الساحات الخالية والأفنية ودفنوا صناديقها.

صباح يوم الخميس في الخامسة والربع، بعد أربع وعشرين ساعة فقط من وقوع الزلزال، جلست على درجات سلم منزل صغير في نوب هيل. جلس معي اليابانيون والإيطاليون والصينيون والزنوج – شيءٌ من الحطام العالمي لدمار المدينة. من حولنا كانت قصور نواب التاسعة والأربعين. إلى الشرق والجنوب بزاوية قائمة كان هناك ساتران عظيمان من اللهب.

دخلت مع صاحب المنزل الذي جلست عليه. كان لطيفًا ومبهجًا ومضيافًا. قال: “صباح أمس، حزت ستمائة ألف دولار. هذا الصباح، هذا المنزل هو كل ما تبقى لدي. سيذهب في خمس عشرة دقيقة”. وأشار إلى خزانة كبيرة. “هذه هي مجموعة زوجتي من الخزف الصيني. هذه السجادة التي نقف عليها هي هدية. تكلفتها ألف وخمسمائة دولار. جرب هذا البيانو. استمع إلى نغمته. هناك القليل مثله. لا يوجد خيول. ستكون النيران هنا في غضون خمس عشرة دقيقة”.

خرجتُ من المنزل. كان النهار يحاول بزوغ الفجر من خلال غيمة الدخان. ضوء قبيح زحف على وجه الأشياء. مرة واحدة فقط اخترقت الشمس بحة الدخان، حمراء كالدم، وأظهرت ربع حجمها المعتاد. كان الدخان الباهت نفسه، الذي يُنظر إليه من الأسفل، لونًا ورديًا ينبض ويتناثر بظلال الخزامى. ثم تحولت إلى البنفسجي والأصفر والكميت. لم يكن هناك شمس. وهكذا بزغ فجر اليوم الثاني في سان فرانسيسكو المنكوبة.

بعد ساعة كنت أتسلل متجاوزًا القبة المحطمة لمبنى البلدية. لم يكن هناك توضيح أفضل للقوة التدميرية للزلزال. اهتز معظم حجر القبة العظيمة، تاركًا الهيكل الفولاذي عاريًا. كان شارع السوق مكدسًا بالحطام عاليًا، وعبر الحطام كانت الأعمدة المنهارة لمبنى البلدية ممزقة إلى أقسام عرضية قصيرة.

هذا الجزء من المدينة، باستثناء دار السك والبريد، كان بالفعل قفرًا من دخان الأنقاض. هنا وهناك من خلال الدخان، يتسلل بحذر تحت ظلال الجدران المترنحة، يظهر بين الحين والآخر رجال ونساء. كان مثل لقاء حفنة من الناجين بعد يوم نهاية العالم.

في شارع ميشين، تستلقي زمرة من العجول أصابتها الأنقاض المتطايرة للزلزال في صف أنيق يمتد عبر الشارع. كانت النار قد مرت بعد ذلك وشوتهم. نُقل القتلى البشر قبل اندلاع الحريق. في مكان آخر في شارع ميشين رأيت عربة حليب، اخترقها عمود تلغراف فولاذي فوق مقعد السائق وحطم العجلات الأمامية. كانت علب الحليب مبعثرة حولها.

طوال نهار وليلة الخميس، طوال نهار وليلة الجمعة، اشتعلت النيران.

كتبها جاك لندن بطلب من مجلة كويلر لتغطية زلزال سان فرانسيسكو

ترجمة: رافاييل لايساندر