التصنيفات
فن العيش علم نفس

إكراه التكرار

لماذا نميل إلى تكرار الوقوع في العلاقات التي تضرنا؟

واحدة من أغرب الأفكار وأكثرها إثارة للإعجاب في العلاج النفسي هي ما يطلق عليه “إكراه التكرار repetition compulsion”. وفكرتها ببساطة أنه نتيجة لصدمات معينة لم نفهمها ولم نتعامل معها بشكل صحيح، سنميل إلى الاستمرار في العيش في الماضي، وإعادة تمثيل المواقف الصعبة السالفة، والتي تتعارض مع احتياجاتنا العاطفية في الوقت الحاضر.

عندما نمر بحدث صادم، يكون رد فعلنا الطبيعي هو محاولة فهمه. نريد أن نفهم ما حدث ولماذا حدث. لسوء الحظ، يقودنا هذا غالبًا إلى تكرار نفس أنماط السلوك التي أدت إلى الصدمة الأصلية. ومن المفارقات أن إكراه التكرار آلية دفاعية يستخدمها عقلنا لحمايتنا من المزيد من الأذى.

كما أنه ليس من غير المألوف أن نجد أنفسنا في علاقات تعكس أنماطًا من طفولتنا. ربما لدينا شريك متحكم يتصرف تمامًا مثل والدنا المدمن على الكحول. ربما نبقى في مكان عمل سيء ونتسامح مع سوء المعاملة لأننا نشعر بالعجز تجاه أي تغيير محتمل. حتى لو كانت هذه العلاقات تقلل من شأننا، ومهينة، ومسيئة، فإنها يمكن أن تعطي شعورًا بأنها مألوفة، وبطريقة مخيفة “مريحة”.

أحد أسباب إكراه التكرار هو أملنا في نتيجة مختلفة كل مرة. ربما لم يعطنا آباؤنا أبدًا ما نحتاجه عاطفياً، لذلك ما زلنا ننظر خارج أنفسنا بحثًا عن شركاء وأصحاب عمل ومعلمين سيعطوننا الاهتمام والرعاية والموافقة التي نحتاجها. من خلال تكرار نفس السلوكيات والحفاظ على علاقة ضارة، نأمل في الحصول على بعض السيطرة عليها. نحن نحاول دون وعي أن نجعل الأمور في نصابها الصحيح، على الرغم من أننا نعلم بوعي أن ذلك مستحيل.

لا ينبغي أن نتفاجأ برؤية أشخاص يحاولون تقمص شخصيات والديهم، أو يقبلون بوظائف تكرر العلاقات التي كانت لديهم مع شخصيات سلطوية في الماضي. لا يوجد شيء خطأ بطبيعته في هذا. في الواقع، إنه مقنع للغاية من الناحية النفسية ويمكن القول أنه لا مفر منه.

ينصحنا العلاج النفسي بأنه يجب تعلم رؤية مثل هذه الأنماط ومحاولة كسرها: يجب أن نلاحظ أنفسنا نقع في حب شركاء جاحدين واحدًا تلو الآخر، أو ننتبه أننا مفتونون برؤساء ظلمة يلعن آخرهم أولهم- ثم ننطلق للبحث عن علاقات ووظائف أكثر إرضاءً.

ومع ذلك، فإن هذا التحليل قد يفقد تفصيلاً بسيطًا مهمًا. نحن لا نتعقب ببساطة موقفًا فظيعًا ثم نحاول تكرار مجراه بالكامل. نحاول العثور على قصة مألوفة بما يكفي لننجذب إليها، ثم نحاول أن نعطيها نهاية مختلفة. ما يقودنا إلى الاستمرار في تكرار قصة ليس أنها صعبة، ولكن عدم مقدرتنا على تغيير الطريقة التي تنتهي بها القصة.

لإعتاق أنفسنا من إكراه التكرار علينا العودة إلى مرحلة مفتاحية من الطفولة مع معرفتنا وإدراكنا البالغ الحالي، ومحاولة وضع الأمور على مسارها الصحيح. هذا ما سيمكن من التحرر وإعادة النمو.

على سبيل المثال، نريد العودة لوالدنا الغاضب ومحاولة تهدئته ومعرفة سبب غضبه عوض إلقاء اللوم على أنفسنا، أو الإمساك بيد والدتنا وإخبارها أن محاولة إشراكنا اجتماعيًا بالقوة ليس الطريقة الصحيحة ولا الملائمة لشخصيتنا. الهدف من هذه الفرصة الثانية، في مرحلة البلوغ، هو تصحيح ديناميكية مؤلمة كان وضعنا كأطفال غير مدركين بعد يعني أننا غير قادرون على معرفة خطأها، وغير قادرون على إصلاحها من باب أولى.

ما نحتاج التأكد منه هو أنه بمجرد أن نجد النمط الذي نميل لتكراره، يمكننا أن ننجح في ثنيه نحو العتق والتطور.

يمكننا أن نسأل أنفسنا أسئلة لمعرفة المواقف التي نرغب في تغييرها. ما هي المواقف الصعبة التي أضع نفسي فيها باستمرار؟ ما نوع شخصيات السامة التي أقع في حبها؟ من الأشخاص الذين أرضخ لهم حتى على حساب مصلحتي؟

وبعد ذلك، مع وضع الإجابات في الاعتبار، يجب أن نسأل: ما النهاية التي أفضلها؟

ماذا يعني إعطاء قصة نهاية أفضل؟ يعني استخدام جميع موارد مرحلة البلوغ للتغلب على الصعوبات التي تواجه طفولة معرضة للخطر عاطفيًا. سنعود إلى المتنمر لكن هذه المرة سنتمكن من قول لا. سنعود إلى قريب مكتئب، لكن هذه المرة سنتمكن من تقديم المساعدة التي يحتاجها. سنعود إلى والدينا ونقول لهم: أتفهم عنايتكم ورغبتكم بالأفضل لي، لكن ذلك غير ملائم لي.

إن فكرة إكمال القصة، التي نتجاهلها وننساها في كثير من الأحيان، تمنحنا زاوية أكثر تفاؤلاً للمفهوم الشائع وربما المحبط عن إكراه التكرار. نحن لسنا مدفوعين فقط برغبة في المعاناة، نحن مدفوعون بشيء أكثر إبداعًا: الرغبة في تحديد أسباب ألمنا ومن ثم إصلاحها وكسر النمط الذي تتكرر به. على أمل التمكن من إيجاد الحرية والمضي قدمًا.

من الضروري أيضًا إعادة التواصل مع طفلك الداخلي؛ فالذي يعود دائمًا إلى الأنماط المكرر بحثًا عن رضا والديه ومحاولة نيل الحب والعطف هو الطفل داخلك، وليس البالغ الواعي الذي هو أنت.

إذا كان ذلك ممكنًا، أمسك يد طفلك الداخلية برفق وذكّره بأن الأشخاص الذين من المفترض أن يحبونهم غير قادرين على فعل ذلك للأسف. لكن لا تخف، فبالنسبة للكبار أنت هنا الآن لتحل محلهم، وستكون أكثر حبًا واستقرارًا وثباتًا.

استمع لطفلك الداخلي. ما الذي يحتاجون اليه؟ في بعض الأحيان يحتاج طفلنا الداخلي فقط إلى أن يُسمع. لذا خذ القليل من الوقت كل يوم للاستماع إلى ما سيقوله طفلك بداخلك. تحدث بلطف مع طفلك الداخلي. عندما نتعلم أن نحب أطفالنا الداخليين، يمكننا تعلم المغفرة لأنفسنا عندما لا نكون كاملين.

لوحة الغلاف تفصيل من “بين ذراعي أبي” لـ Severin Nilson 1846 – 1918