التصنيفات
فن العيش علم نفس

كيف أتحمل مصاعب الحياة؟

وسيلة لفهم مصاعب الحياة وتقوية المقدرة النفسية على تحملها

صديقان شريكان في مشروع تجاري. رغم كل الخطط والتدابير لنجاح المشروع، فشل فشلاً ذريعًا في النهاية، وخسرا كل مدخراتهما. أحدهما غضب بشدة ولام صديقه على كل شيء، ثم دخل في مرحلة طويلة من الاكتئاب والعجز، أثرت حتى على علاقته العائلية. الآخر اقترض أموالًا وفتح مشروعًا آخر، وعمل عليه بذات الهمة وكأنه لم يخسر شيئًا.

هل يمتلك بعضنا قدرة على التحمل أكثر من الآخرين؟  

السبب في أننا نستسلم، في كثير من الأحيان، ونقع في اليأس ونتخلى عن مشاريعنا، ليس كون الأمور صعبة في حد ذاتها ولكن لأنها أصعب بكثير مما وضعنا في اعتبارنا ومما توقعنا. ليست الصعوبة بالضرورة هي التي تقف عائقًا في طريقنا؛ بل المفاهيم الخاطئة لمتطلبات المهمة، وتصوراتنا حولها.

نعمل مع آمال وردية، وتوقعات قاصرة بشكل متهور حول ما قد يتطلبه الأمر لإنجاح الزواج، أو إدارة عمل تجاري قابل لتحقيق الربح، أو تكوين دائرة من الأصدقاء، أو التمتع بصحة جيدة، أو بناء منزل، أو تحقيق توازن ذهني. وعندما لا تأتي الأمور كما توقعنا نفقد أعصابنا، ونشعر بالغضب والحنق على كل ما حولنا، ونبدأ بتحطيم الأشياء؛ بما في ذلك تحطيم ذواتنا. نشعر بأننا خُذلنا، في حين أن الأمور تأخذها مجراها المنطقي جدًا، والألم الذي تعرضنا له هو فقط المشاق والمصاعب الطبيعية التي تتطلبها المهمة.

هذه التوقعات التي تولد الذعر ليست خطأك أو خطأي فقط، بل هي وليدة نظمنا المجتمعي ككل. منذ المراحل الابتدائية في المدرسة، يغرقنا المدرسون والنظام التعليمي في بحيرة من الآمال الكبيرة بأننا نستطيع أن نصبح ما نريد بكل سهولة، ويحقق آباءنا رغباتنا من دون عناء، ثم نتفاجأ بقسوة الحياة عندما نخوض غمار واقعيتها. يجب أن تدرك المؤسسات التعليمية في النهاية أننا نجعل الناس أقوياء لا من خلال سحرهم بقصص الفرص السحرية، ولكن من خلال أن نكون صادقين على نحو ملائم بشأن كيفية سير الحياة؛ أن نحث الشباب بشكل منهجي على إدراك درجات المعاناة التي تتطلبها أي حياة جديرة بالعيش. ليس من اللطيف بأي حال تعليم الشباب عن عالم غير موجود.

بدلاً من الاستماع دومًا لقصص النجاح، والرومنسية، والمثالية المتحيزة، من الجيد الاستفادة من قصص أزواج يتحدثون بصدق عن تعقيدات العلاقة الثنائية حتى عندما يكون الحب موجودًا، ومن تجربة مرضى السرطان مع الألم واستغلال الوقت، ويتحدث رجال الأعمال بصدق عن الصفقات التي خسروها والليالي الطوال التي سهروها لكيلا يخسروا كل شيء. سوف يشهد الفنانون ورجال الأعمال على التضحيات الجليلة والحيوية المطلوبة لتحقيق النجاح الذي يبدو من بعيد سهلاً وبراقًا. لن يُترك الشباب لوهم أن الأمور التي نرغب بها تأتي من دون مشاق وتعب، وحتى عذاب.

اقتباس لهيوم بتصميم مجلة ميتاموروفسيس المميز

يجب الانتباه أنه ليس الغرض من هذا هو تثبيط المعنويات، ولكن رسم صورة وافية عن متطلبات الحياة الواقعية. يستمر الناجحون في الإنجاز لا لأنهم أكثر عبقرية عن غيرهم، ولكن لأنهم تعلموا أن يكونوا مستعدين بشكل أفضل. إنهم يعرفون أن الهزائم والتحديات والآلام أحداث لا مفر منها، وليست عقوبات طارئة أو مخيفة. يتساءلون، في ختام كل يوم، هل هذه فقط هي المشاكل؟ ألا يمكن ان يحدث أسوأ؟

عندما يتشاجرون مع أزواجهم لا يفترضون أن الزواج الرومنسي الخيالي قد تدمر، ولكن يتساءلون، كيف يمكن أن يتطور هذا الشجار في المستقبل. عندما يحدث ركود اقتصادي يؤدي إلى تدهور أرباح أعمالهم يستبقون ركودًا أسوأ بعد بدل التسليم بأنه وصل لذروته. وعندما يرون تغيرات سياسية مقلقة يعلمون أن السياسة قذرة وأن القادم أسوأ بعد. إنهم يتحملون على أساس أنهم تمكنوا -بدقة مناسبة- من إخماد كل آمالهم الرقيقة والحساسة، وتحضروا للمستقبل بواقعية بقدر ما يستطيعون.