قد يبدو طرح سؤال: “على من تريد التنمر؟” في ذاته أمرًا شريرًا. لقد وصلنا لمرحلة من الإدراك اليوم حيث تُنبذ فكرة التنمر على أي شخص، أو حتى على الحيوانات، سواءً جسديًا أو حتى بمجرد الكلمات. غالبيتنا أعضاء متحضرون في مجتمع متقدم.
لكن التنمر غير محصور بالصورة النمطية لطفل يتنمر على زميله في المدرسة، فالبالغون في العمل عرضة للتنمر كما الأطفال في ساحة اللعب. ويشمل التنمر أبًا يصرخ على ابنه الخجول لأنه يرى نفسه فيه، أو معلم يوبخ تلاميذه، أو حتى مدير يهاجم موظفيه. لذلك فإن الموقف الأخلاقي باحتقار التنمر ليس مفيدًا هنا، رغم أنه مثير للإعجاب.
لا نحاول معرفة من الذي ستقوم بالتنمر عليه بالفعل، نعلم أنك لن تفعل ذلك، نريد أن ننظر في سؤال أكثر بروزًا: من ستنجذب إلى التنمر عليه في أعماق نفسك، ومن تريد التنمر عليه في اللاوعي الخاص بك، إذا انهارت الحضارة، إذا لم تكن متحكمًا وناضجًا كما هو واضح؟ إذا كنت صادقًا تمامًا مع نفسك، فما هي دوافع التنمر الذي تشعر به، وفي أي سياقات؟
ستساعد معرفة المزيد عن هذا في إلقاء الضوء على جوانب مهمة من ذواتنا؛ ستكون الجائزة عبارة عن وعي ذاتي أكبر وفهم أعمق بشكل خاص للعمل الذي يجب أن نقوم به لنبقى ألطف وأكثر ودًا.
في وقت مبكر من الحياة، يشكل الناس طرقًا مختلفة للاستجابة للعار. عند البلوغ، تصبح استجابات التأقلم هذه سمات شخصية. تنقسم استجابات التأقلم النموذجية إلى أربعة أنواع: مهاجمة الآخرين، ومهاجمة النفس، والتجنب والانسحاب. عندما يهدد العار الأشخاص المتنمرين -مثل أن يظهروا فاشلين في العمل- فإنهم يهاجمون الآخرين.
من الناحية النفسية، يعير المتنمرون الآخرين من خلال التعرف على مخاوفهم في ذواتهم ومهاجمتها. هجوم المتنمر هو عاره ولكن قولب لاستهداف ضعف الضحية. نريد، في كثير من الأحيان، أن نتنمر على الأشخاص الذين يبدو لنا أنهم يظهرون ضعفًا – قد يكون الخجل، أو العجز، أو الكسل، أو الافتقار إلى السلطة والانضباط- نعرفه جيدًا داخل أنفسنا، وكان علينا أن ندفع ثمناً باهظاً عندما كنا في الأصل محاصرين به في سنواتنا السابقة. نحن قاسون حيث عوملنا بالقسوة. نتنمر على نسخة من ذواتنا تخلصنا منها، أو لم نعد نعترف بها.
ما يحدق بنا مرة أخرى في سلوك الشخص الذي ننجذب إليه هو الصغار الذين يخافوننا منذ فترة طويلة. نحن أيضًا كنا ذات مرة عاجزين، كسولين، مرضى كما نرى في الطفل البالغ من العمر خمس سنوات، في المستجدين في العمل، في التلميذ الذي لا يستوعب دروسه. وعلى الرغم من أننا لا نرغب في النظر إلى هذا وجهاً لوجه، إلا أن رؤيتنا لهم بنقاط الضعف هذه تروعنا، وتجعلنا نشعر بالقشعريرة، وتجعلنا نرغب في إزالة هذه الأخطاء من حياتنا، تمامًا كما حاولنا إزالتها من حيواتنا. يجعلنا ذلك نريد أن نصرخ عليهم بأنهم غريبو الأطوار ونرمي متعلقاتهم من النافذة، ونجعل الآخرين ينضمون إلينا في الضحك عليهم حتى يبدأوا في البكاء ويودون الموت. هذا هي بالضبط ماهية التنمر. رغبة مرضية في إزالة وصمة عار لدى الآخرين نكرهها في أنفسنا.

يمكن أن يكون هناك وقود إضافي لرغبتنا في التنمر: عندما نلاحظ أن الشخص الذي يعاني من عيوب سابقة يُعامل بتسامح وكرم أكبر بكثير مما عوملنا به في أي وقت. لا نراهم يحملون نفس نقاط الضعف فحسب، بل نلاحظهم أيضًا لا يهتمون كثيرًا بها. عندما لم يحدث ذات الأمر في أيامنا، نشعر بالتمييز، ونحمل ضغينة داخلية. لقد عانينا بشكل مباشر بذات القدر، واستحققنا التعاطف، ولهذا السبب نجد الآن صعوبة بالغة في التعاطف مع من يستحق. الشخص في العمل بطيء بعض الشيء وغير كفؤ، تمامًا كما كنا يومًا، ولكن بينما صرخ علينا صاحب العمل وبذلنا جهودًا كبيرة، إلا أن الشخص الجديد يستمر في علمه دون منغصات واضحة. ينضم الحسد إلى إحساسنا بالتهديد. لا يبدو هذا الشخص كنسخة من الذات السابقة التي حاولنا الابتعاد عنها فحسب، بل لا يبدو أنه منزعج من عيوبهم حتى. في مكان ما في أعماقنا، يتساءل جانب غاضب ضعيف منا: لماذا لم نكن محطمين ومحبوبين في نفس الوقت؟
من السهل ملاحظة كيف أن سلسلة التنمر هذه تستمر من جيل إلى آخر، عندما لا يتم قطعها في مرحلة ما، ويتحول المجتمع بأكمله لمجتمع سام، وعنيف من المتنمرين.
تصل هذه المشكلة إلى حد معين يجب الإبلاغ عنه دون تردد: عندما يكون الشخص الذي تشعر برغبته في التنمر هو طفلك. من الطبيعي جدًا أن تظهر الرغبة هنا – وهذا أمر خطير جدًا أيضًا. تعني الأبوة أنك سترى من مسافة قريبة شخصًا سيكون مثلك بشكل واضح، وستلتقي بشكل طبيعي العديد من صفات عجزك وتحدياتك السابقة. لهذا من الضروري القول: من فضلك لا تتنمر على الطفل، ولا حتى للحظة. لاحظ الدافع وخذه لأقرب معالج. الطفل الذي يتعرض للتنمر لن ينسى أبدًا، ولن يسامح أبدًا، وسيحترق في المقابل.
إنها علامة على النضج أن تكون قادرًا على قبول الفرق بين الفكر والفعل. تأمل شيء مختلف تمامًا عن التفكير في القيام به. وبالفعل، فإن ملاحظة فكرة “سيئة” هي بالتحديد ما يمكن أن يشجعنا على تقوية حواجزنا الأخلاقية والتأكد تمامًا من أننا لا نتعدى أبدًا. إن الأشخاص الذين يعرفون موانعهم من الوصول إلى السعادة هم الذين يبذلون جهدًا كبيرًا ليكونوا جيدين، والذين لا يثقون في أنفسهم تمامًا، وبالتالي يبذلون بعض الجهود الإضافية لطف بشكل خاص مع أولئك الأشخاص الذين يميلون إلى أن يكونوا قاسين تجاههم. ما يجب أن يحل محل دافع التنمر هو شيء كان يجب أن نستفيد منه منذ وقت طويل: اللطف الهائل والحب تجاه الأجزاء المحطمة.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.