عندما تقرأ “جيم المحظوظ” لكنغسلي آميس تستغرب كيف أن الجامعات تختلف في مستواها الأكاديمي وقيمة التعليم ولكنها تتشابه كثيرًا بشخصيات وطباع الأكاديميين، والأكثر تشابهًا من بين هؤلاء هم طبقة – في ظل عدم توفر كلمة أكثر أدبًا- الحقراء.
معظم الحقراء ينتقلون في ملابس تنكرية، حتى مع أنفسهم، لذلك فهم غير مدركين لمدى حقارتهم بالرغم من أنهم يميزونها في غيرهم وينتقدون ذلك بصوت عالي.
المد المتصاعد (أم أنه مجرد تكرار متزايدة؟) للفضيحة والسياسة المرعبة والبيروقراطية والمشورة السامة في الأكاديمية يكشف عن الحاجة الملحة إلى دليل جيد للحياة البرية يمكن بواسطته تحديد أنواع الحقراء الأكاديميين.
لذلك، فيما يلي قائمة عامة من نوع ما، في تأمل حزين للمهن التي تشوهت أو قُتلت من قبل الوحوش المذكورة أدناه.

الجوهرة الفريدة
لا يكف عن التحدث عن الوقت الذي أمضاه بالدراسة في أعظم جامعات أوربا أو أمريكا- بالرغم من أنه ما يزال لا يستطيع التحدث بأي لغة أجنبية بطلاقة-. تضيع نصف المحاضرة وهو يتحدث عن إنجازاته ونظرته الثاقبة للأمور، وكيف أن أطروحته هزت الوسط العلمي، وربما حتى غيرت مجرى التاريخ -مع أن أحدًا لم يسمع بها-، وأن الوزير الفلاني استشاره بنفسه في قضية عجز عنها كبار الدولة. ورغم شدة اعتزازه بنفسه وتضخيمه لإنجازاته إلا انه لا يملك الكثير ليقوله، لذلك تجده يُكرر كلامه كثيرًا معتقدًا أن كل صف دراسي يمر عليه لأول مرة، ويحتاج من ثم أن يسمع عن مدى عظمته.
لا شي أحب لدى هذه الشخصية من أن يُطلب عونها أو مساعدتها، أو الأفضل حتى، أن يُطلب كشخص مرجعي في وظيفة أو بحث؛ لا حبًا في الخير والمساعدة ولكن غرورًا بالنفس. بل حتى أنه سيتبرع ويعطي رأيه وإرشاداته الحكيمة في أمور لم يسأل عنها حتى.

العالم بكل شيء
لا يختلف كثيرًا عن “الجوهرة الفريدة”، إلا أن هذا الدكتور يمتلك الكثير من العلم والمعرفة بالفعل، ولكن المشكلة ظنه أن ما يعرفه، مهما قل أو كثر، هو كُلّ المعرفة في هذا العالم، وهو بذلك العارف، العالم بكل شيء، والقابض على الحقيقة النهائية. لا يمكن أبدًا مناقشته بأي شيء، ومهما كان مخطئًا. يمكنك أن تقلع عينيه بدليل مادي قاطع ينفي صحة كلامه، ومع ذلك سيقول أن الخطأ في الدليل وليس به، وستجلب على نفسك حقده لا أكثر.
الغريب أن غروره بعلمه يتجاوز مجال اختصاصه الضيق كثيرًا، ويعتقد أن دكتوراته شاملة في كل نواحي المعرفة، فلا يجد حرجًا في مناقشة النظرية الاقتصادية، والتوصيلات الكهربائية، وفعالية المحروقات، وحتى ربما إعطاء وصفات أدوية رغم أنه دكتور في اللغة، مثلا.
وبظنه أنه وصل للمعرفة النهائية لا يطور نفسه ولا يُحدث من معلوماته، لذلك يتحدث دائمًا عن أمور عفا عنها الزمن، فقط لأنه لا يعرف غيرها. وبالطبع كل طلاب هذا الدكتور لا يحصلون على علامات عالية، وبالكاد ينجحون في المقرر لأن ذلك دليل على مدى تفوقه وجهل طلابه- بالتأكيد ما عدا ذلك الطالب الذي يظل يتملقه وبخبره عن عظمته وعظم معرفته.

زير الطالبات
لا تكاد تخلو جامعة في العالم من ذلك الدكتور الذي تخرج بعمر صغير ويظن نفسه الآن قضية كبيرة ومهمة، ويود التعويض عما فاته في الحياة الجامعية والتعرف على الشابات اليافعات عن طريق أن يبدو شبابيًا و”كول” ومنفتح، وفي نفس الوقت ذو عقل كبير وعميق ينأى عن توافه الأمور.
أو يكون دكتور كبير في العمر، ربما حتى متزوج، لكنه وقح، وفي غاية الشر والدناءة، ولا يستحي أن يستخدم العلامات والنجاح وحتى التشهير بالطالبات لنيل مراده من بعضهن وإرضاء شبقه المنحرف الذي يكون، في الغالب، إما مازوشيًا أو ساديًا بتطرف.

سكرتيرة العميد
بالرغم من أنها ليست العميد، ولم تكمل أي دراسات عليا حتى، إلا أنها لا تجد أي مانع من التصرف “كعميد” وتوبيخ الطلاب، والمشي في الجامعة بأنف مرفوع، وإعطاء الأوامر للموظفين، وربما حتى رفع صوتها على الكادر التدريسي!

البيروقراطي السادي
سوف تتعرف على البيروقراطي السادي عبر ابتسامة صغيرة لا يمكنه كبحها لأنه يستمتع وهو يخبرك أن طلب السداد لم يكتمل بشكل صحيح، أو تأخر التوقيع على الشهادة، أو من غير الممكن تسيير الأوراق دون الطابع أو الختم الفلاني، ويتم رفض طلبك…إنه حقا آسف جدًا. لكنه يذكرك بأن السياسات مدرجة بوضوح في دليل الجامعة. سيكون من الظلم، كما ترى، استثناءك بطريقة ما، لا يبدو أن أصدقائه -أو الرُشاة- يعانون من هذه السياسات بنفس الطريقة. يغسل البيروقراطي السادي بواعث قلقه الأخلاقية حول منح استثناءات للآخرين عن طريق التخفيف، قليلاً، من نزاهته العظيمة ومبادئه الصارمة عند تطبيق القواعد عليك.

العلماني/الشرعي
هما وجهان لعملة واحدة. ليس الخطأ في توجههما ولكن في حاجتهما الملحة والدائمة لفرض آراءهما أثناء المحاضرة التي لا تمت لأي من الأيدولوجيتين بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد. والأنكى والأمر من ذلك، عندما يأخذان مساحة حرية كبيرة ويسخران من معتقدات الطرف الآخر، أو حتى يعاقبان الطلاب ذوي التوجه المضاد.
هؤلاء الحقراء مخلوقات خطيرة وغير متوقعة، من الأفضل تجنبها إن أمكن. لا تحاول مراقبتها عن كثب، معتقدًا أنه يمكنك إقامة علاقات صداقة معها دون التعرض للأذى. لا تحاول أن تغويهم بالعلاج. من الأفضل مشاهدة الحقراء من بعيد.
ولكن ماذا لو كنت تمتلك إحدى هذه الصفات، أو ما يشبهها؟
من الصعب عمومًا التعرف على الرذائل والإقرار بها. لا أحد يريد أن يرى نفسه سيئًا. نحاول أن نتجاهل الأدلة على وجود أوجه قصور في الشخصية في أنفسنا، ونجد أعذاراً مبررة لذلك. ولكن إذا نظرنا عن قرب بما فيه الكفاية، يمكننا أن ندرك بصدق مثل هذه العيوب.
التقليل من أهمية أهداف الآخرين وتجاهل آرائهم هو الطريق السريع لتصبح حقيرًا. إنها نوبة إبيستولوجية مميزة، تعمل على منع اكتشافها من خلال تلوين العالم بألوان تبدو موضوعية وذاتية وإحباط قدرة النطر على سماع ملاحظات الآخرين النقدية بكل احترام. الحقير متميز من ناحية جهل نفسه. وأفضل طريقة لمحاربة ذلك والوصول إلى بصيص من معرفة الذات هي التفكير بشكل كلي- أي التفكير في كيف سترى العالم من خلال عيون الآخرين.
على سبيل المثال، إن كنت تفكر أنك مهم، وأنك محاط بالأغبياء! إن لم تكن تصدق أنهم منحوا تلك الجائزة لزيد من الناس لأن عمله ليس جيدًا مثل عملك. وأنك تهدر وقتك مع هذا الطالب الذي لا يستطيع أن يرى أن لديك الكثير من الأشياء المهمة التي تحتاج إلى إنجازه. يجب أن يكون الكتاب الجامعي قد استشهد بعملك هنا وهنا وهنا. لا حاجة لقراءة عمل ألفه علماء لم تسمع بهم. فأنت، للأسف، تفكر مثل
بالطبع هنالك أشكال عدة للحقارة، ليست محصورة بالنطاق الأكاديمي بالطبع. وقد تنطبق عدة صفات على شخص واحد في نفس الوقت، والنقطة الرئيسية هنا أن الحقير الصرف لم ولن يحس بذلك وسيعتقد نفسه طبيعيًا، أما إن كنت تلتقط نفسك وأنت تفكر أو تتصرف بهذه الطرق، أو حتى بدأت تشك بنفسك في هذا الخصوص، فهذه هي المعرفة الأخلاقية الذاتية المثمنة. هي كالجنون عندما سأل أحدهم معلمه، كيف أعرف أني لست مجنونًا؟ فأجابه: طالما أنك تسأل نفسك هذا السؤال فأنت بالتأكيد لست مجنونًا. وكذلك في هذا الأمر، إدراكنا فقط لعيوبنا ونواقصنا هو بداية الطريق في أن لا نكون حقراء!
إذا كنت ترغب في التعليق على هذا المقال أو أي شيء آخر رأيته في مجلتنا، فتوجه، مشكورًا، إلى صفحتنا على Facebook أو راسلنا على Twitter.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.