التصنيفات
منطق

المغالطات الجدالية: قطف الكرز

شرح للمغالطة المنطقية “قطف الكرز” مع أمثلة وكيفية الرد عليها

قطف الكرز مغالطة منطقية تحدث عندما يركز شخص ما على الدليل الذي يدعم موقفه فقط، بينما يتجاهل الأدلة التي تتعارض معه. على سبيل المثال، قد يذكر الشخص الذي ينخرط في قطف الكرز الدراسات التي تدعم موقفه فقط ويتجاهل تمامًا كل الدراسات الأخرى، حتى وإن كانت أكثر غلبة.

أمثلة على قطف الكرز

غالبًا ما تستخدم وسائل الإعلام والهيئات المتشددة لأيدلوجيا معينة قطف الكرز، عندما تقدم جانبًا واحدًا فقط من القصة، أو تمنحها تغطية غير متناسبة مع تجاهل الحقائق التي يمكن أن تدعم وجهات النظر البديلة.

مثلاً:

وجدت دراسة جديدة، تستند إلى دراسات العديد من العلماء في مجال معين، أن 98٪ منهم يوافقون على النظرية المعينة، وأن 1٪ منهم فقط لا يوافقون عليها والباقي لم يتخذوا قرارًا. عند مناقشة مثل هذه النظرية، قد يقول المتحدث الميال لأيدلوجيا لا تستفيد من هذه النظرية ما يلي:

“وجدت احصائية حديثة أن هناك الكثير من العلماء الذين يختلفون مع النظرية الفلانية”

يمثل هذا البيان مثالاً على قطف الكرز، لأنه يذكر فقط حقيقة أن الدراسة وجدت أن بعض العلماء يختلفون مع الإجماع بشأن الظاهرة قيد البحث، بينما يتجاهل حقيقة أن الإحصائية المعنية وجدت أيضًا أن الغالبية العظمى من العلماء تدعم هذا الموقف.

لاحظ أن الإجماع قد يكون خاطئًا ولا شك في بعض الأحيان، وقد يكون من المعقول الإشارة إلى ذلك أو معارضته مباشرة في مواقف معينة. إن مشكلة قطف الكرز في هذه أنه يقدم الأدلة ضد الإجماع بطريقة مضللة، من خلال تجاهل معظم أو كل الأدلة التي تتضاد مع ما يريد.

إذا أراد المتحدث تقديم نفس وجهة النظر دون الوقوع في مغالطة قطف الكرز، فيمكنه أن يقول شيئًا على غرار ما يلي:

“وجدت إحصائية حديثة أن الغالبية العظمى من العلماء يدعمون النظرية، ولكن مع ذلك، لا يزال هناك بعض العلماء الذين يعارضونها”.

ومع ذلك، فإن هذا البيان أكثر تعقيدًا وأقل إثارة من البيان الأصلي الذي تم اختياره بعناية، وهذا هو السبب في أن بعض الهيئات الإعلامية والسياسيين قد يفضلون استخدام المغالطة، حتى لو كانت غير دقيقة.

يمكن رؤية مثال آخر لقطف الكرز في المناقشات السياسية الواقعية، حيث غالبًا ما يسيء الناس استخدام البيانات لدعم مطالبهم. تستخدم أرقام البطالة مثلاً للهجوم والدفاع عن المرشحين السياسيين. يمكن لأي شخص أن يجد بسهولة البيانات الاقتصادية التي تنعكس إيجابًا أو سلبًا على المرشح بمجرد اختيار بداية ونهاية تلك البيانات- إذا أردت أن تجعل المرشح يبدو بموقع حسن، يمكنك اختيار نقطة البداية عندما تكون البطالة مرتفعة للغاية ونقطة النهاية عندما تكون البطالة منخفضة، مما يعطي الانطباع بأن المرشح كان جيدًا بالنسبة للاقتصاد. لكن يمكنك جعل نفس المرشح يبدو سيئًا من خلال تقديم بيانات البطالة التي تبدأ عندما كانت البطالة منخفضة وتنتهي عندما كانت مرتفعة، مما يعطي الانطباع بأن الرئيس كان سيئًا لنمو الوظائف. يتم استخدام كلا الأسلوبين بشكل متكرر، وغالبًا ما يكون مصحوبًا ببعض التبرير الهش لسبب اختيار نقطتي البداية والنهاية.

يعتبر قطف الكرز قضية مهمة ليس فقط من حيث كيفية إدارة الناس للخطاب، ولكن أيضًا من حيث طريقة تفكيرهم. على هذا النحو، يعد قطف الكرز ظاهرة منتشرة في بعض المجتمعات، مثل المجتمع العلمي، حيث يؤثر على طريقة إجراء الأشخاص للبحوث.

على سبيل المثال، يمكن أن يكون قطف الكرز جزءًا من عملية HARKing الإشكالية (الافتراض بعد معرفة النتائج)، في الحالات التي يبحث فيها الأشخاص في البيانات من أجل العثور على المقاييس أو التحليلات أو العينات أو التفسيرات التي تقدم أقوى دعم ممكن لـ فرضيتهم الأولية، على الرغم من حقيقة أن ذلك يؤثر على صحة أبحاثهم. تم العثور على أدلة على هذه المشكلة في العديد من الحالات، ويظهر أن قطف الكرز يمكن أن يؤثر بشكل كبير على نتائج المراجعات المنهجية للتجارب السريرية العشوائية.

في هذا الصدد، ينتهك استخدام قطف الكرز مبدأ الأدلة الكلية (يشار إليه أحيانًا بمبدأ برنولي)، والذي يشير إلى أنه عند تقييم احتمالية صحة فرضية معينة، يجب أن نأخذ في الاعتبار جميع المعلومات المتاحة.

كيفية الرد على مغالطة قطف الكرز

هناك طريقتان رئيسيتان للاستجابة لقطف الكرز:

الإشارة للمنطق الخاطئ. على وجه التحديد، الإشارة لحقيقة أن الخصم يتجاهل المعلومات المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار، وشرح سبب كون هذه مشكلة، ومن ثم ضع المعلومات المحذوفة في الاعتبار، ومناقشة المعلومات التي تم حذفها، وكيف يؤدي أخذها في الاعتبار إلى تغيير الوضع الحالي.

عند القيام بذلك، من المهم أن تتذكر أن قطف الكرز قد يكون غير مقصود. على هذا النحو، طالما أنه من المعقول القيام بذلك، يجب عليك تنفيذ مبدأ النية الحسنة، وافتراض أن الشخص الذي استخدم المغالطة فعل ذلك عن غير قصد.

هذا يعني أنه يجب عليك عمومًا محاولة مطالبة الشخص الآخر بتبرير اختياره بحذف معلومات مهمة، بدلاً من مهاجمته بشكل مباشر. يمكن أن يساعدك القيام بذلك في تحديد المواقف التي أهمل فيها خصمك ذكر معلومات مهمة ليس لأنهم اختاروا تجاهلها، ولكن لأنهم لم يكونوا على دراية بها، ويمكن أن يجعل الشخص الآخر أكثر استعدادًا للاستماع إلى ما تريد قوله.

علاوة على ذلك، يمكن أن يكون القيام بذلك مفيدًا أيضًا في الحالات التي ينخرط فيها الناس في قطف الكرز عن قصد. هذا لأن القيام بذلك يمكن أن يضع خصمك غالبًا في موقف دفاعي، حيث يحتاج إلى تبرير سبب حذفه للمعلومات الهامة من المناقشة، ولأن هذا النهج يمكن أن يظهر للجمهور، إذا وجدو، أنك ملتزم بإجراء مناقشة محترمة، على عكس خصمك.

كيفية تجنب قطف الكرز

من السهل إصدار الأحكام على أولئك الذين يرتكبون هذه المغالطة، وحتى تفسير مغالطتهم على أنها نقص في الذكاء، لكنها نادرًا ما تكون بهذه البساطة. قطف الكرز هو نتيجة لتحيز معرفي يسمى تحيز التأكيد. أظهر البحث النفسي أن لدينا جميعًا ميلًا طبيعيًا لفحص القضايا من وجهات نظرنا الموجودة مسبقًا بدلاً من الموقف المنفتح والحيادي. هذه نقطة مهمة يجب مراعاتها لأنها تعني أن قطف الكرز غالبًا ما يكون غير مقصود، ونحن جميعًا معرضون له. ولكن كما هو الحال مع معظم المغالطات المنطقية، فإن مجرد معرفة ذلك يمكن أن يقطع شوطًا طويلاً نحو منعه.

لتقليل احتمالية الوقوع في هذه المغالطة، فإن أهم سؤال يجب أن تطرحه على نفسك هو: “هل هناك أي دليل إضافي أو تفسيرات محتملة للأدلة الموجودة التي يجب أن أستخدمها في تحليلي؟” إذا كانت الإجابة على هذا السؤال هي “نعم”، فحاول تعديل تحليلك من خلال أخذ المعلومات الإضافية في الاعتبار.

يمكنك استخدام تقنيات تهدف إلى تقليل احتمالية مواجهة الانحياز التأكيدي. أحد الأمثلة على مثل هذه التقنية هو تجنب تكوين فرضية في وقت مبكر جدًا، قبل أن تتاح لك الفرصة للنظر في جميع المعلومات المتاحة.

بالإضافة إلى ذلك، يمكنك أيضًا استخدام تقنيات تجنب التحيز، مثل التمهل في التفكير، مما يقلل من احتمالية أن تقوم بانتقاء المعلومات.