إن الأدبيات المتعلقة بالمغالطات المنطقية كثيرة وواسعة وشاملة. ويهدف الكثير منها لمساعدة القارئ على استخدام الأدوات والنماذج التي تدعم المنطق الجيد، وبالتالي تؤدي إلى المزيد من المناقشات البناءة. والقراءة عن الأشياء التي لا يجب على المرء القيام بها هي أيضًا تجربة تعليمية مفيدة. نُقل عن عالم الرياضيات جورج بوليا قوله في محاضرة حول تدريس الرياضيات أنه بالإضافة إلى فهمها جيدًا، يجب على المرء أيضًا معرفة كيف يساء فهمها. ومن هنا أتت مقالة شوبنهاور الغريبة “فن أن تكون دائمًا على صواب” والتي تتحدث في المقام الأول عن الأشياء التي لا ينبغي للمرء أن يفعلها في الحجج. ونلاحظ، بدأ من العنوان، طرافة الفيلسوف التشاؤمي في تناول الموضوع.
كان لدى شوبنهاور، بناءً على أسس ميتافيزيقية، رأي دوني للغاية عن البشر، حيث أحد خصائصهم البارزة أنهم عنيدون، و يقف جنبًا إلى جنب مع عنادهم الغرور. لا يمكنهم تحمل رؤية أنفسهم يهزمون، خاصة عندما يشير ذلك إلى أنهم أقل ذكاءً من خصومهم. وهكذا يقدم 38 حيلة مختلفة شائعة الاستخدام في الجدال، والتي تعمل على تحقيق النصر، بغض النظر عن مكمن الحقيقة. دافع مقاله هو الغضب والاشمئزاز من فظاعة الحجج الكاذبة.
يتولى شوبنهاور الدور النمطي للسفسطائي، الذي يُعلم الناس، مقابل رسوم باهظة، كيفية “جعل الأمر الأسوأ يظهر كالخيار الأفضل”، ويحاول عبر الحيل ليس فقط إقناع الخصم، ولكن الأهم من ذلك، جمهور النزاع، حيث السؤال الحاسم هو من سيتبين أنه الأفضل؛ من سيفوز بأصوات الناس؟
متعة الكتاب هي المحاولات التي يقوم بها القارئ حتمًا ليُطابق الواقع الحديث مع الحيل التي يذكرها شوبنهاور، ومن هنا أتت هذه السلسلة لتوضيح الحجج أكثر، وتكمن حداثة هذه المقالات أيضًا في استخدامها للرسوم التوضيحية الحية لوصف بعض الأخطاء الشائعة في التفكير التي تصيب الكثير من خطابنا الحالي. لا توجد قصة تربط الرسوم التوضيحية معًا؛ هي مشاهد منفصلة، متصلة فقط بالأسلوب والموضوع، مما يتيح القدرة على التكيف وإعادة الاستخدام بشكل أفضل. تحتوي كل مقالة على مغالطة واحدة فقط مع التفسير والأمثلة، والاهم كيفية الرد عليها -وهو ما لم يرد في مقالة شوبنهاور-، على أمل أن يجعلها كل ذلك سهلة الهضم والتذكر.
يمكن أن يؤدي إضفاء الطابع الرسمي على تفكير المرء إلى فوائد مفيدة مثل وضوح الفكر والتعبير وتحسين الموضوعية وزيادة الثقة. يمكن أن تكون القدرة على تحليل حجج الآخرين أيضًا بمثابة مقياس لموعد الانسحاب من المناقشات التي من المرجح أن تكون غير مجدية.
القضايا والأحداث التي تؤثر على حياتنا والمجتمعات التي نعيش فيها، مثل الحريات المدنية والانتخابات الرئاسية، غالبًا ما تجعل الناس يناقشون السياسات والمعتقدات. عند ملاحظة جزء من هذا الخطاب، يشعر المرء بأن كمية ملحوظة منه تعاني من غياب المنطق الجيد.
بالطبع، المنطق ليس الأداة الوحيدة المستخدمة في النقاش، ومن المفيد أن تكون مدركًا لوجود أمور أخرى. من المحتمل أن يتصدر الخطاب القائمة، متبوعًا بمفاهيم مثل “عبء الإثبات” وشفرة أوكام (مبدأ أنه، عند السعي لشرح ظاهرة، لا ينبغي للمرء أن يقدم أي تفسير أكثر مما هو مطلوب).
وليست قواعد المنطق قوانين للعالم الطبيعي، ولا تشكل كل المنطق البشري. لا يولّد المنطق حقائق جديدة، بل يسمح للمرء بتقييم سلاسل التفكير الحالية من أجل الاتساق والتماسك. ولهذا السبب بالتحديد أثبت أنه أداة فعالة لتحليل وتوصيل الأفكار والحجج.
ومن الواجب التذكير أيضًا بخاتمة شوبنهاور التي تعد معيارًا وهدفًا لكل ما نتحدث عنه:
“إن المدافعة الوحيدة الفعالة إذن هي تلك التي أشار إلهيا أرسطو في الفصل الأخير من الطوبيقا: لا تتجادل مع أي شخص كان، لكن فقط مع أناس تعرفهم وتوقن أنهم عقلاء كفاية…أناس تعلم انهم يقيمون وزنًا للحقيقة، وأنهم يحبون الاستماع للبراهين الجيدة حتى في فم خصمهم…
مع ذلك، فالمجادلة، بما هي مشادة بين فكرين، غالبًا ما تكون مفيدة للطرفين لأنها تسمح لهما بتصحيح أفكارهما الخاصة واستحداث آراء جديدة”
ختامًا، إن الترجمة المتوفر لمقالة شوبنهاور هي ترجمة عن الفرنسية وليس الألمانية، ولذلك كانت معقدة وصعبة بعض الشيء، بالإضافة لأن تسمية المغالطات غير ثابتة وتعتمد على توريات خاصة بكل لغة، مثل “الرنجة الحمراء”، يجعلها صعبة الفهم أو غريبة في لغات أخرى؛ وبالتالي اعتمدنا في التسميات على ما يوضح المقصود من كل مغالطة وليس الترجمة الحرفية لها. كما استفدنا مع أدبيات أخرى لتغطية الموضوع، مثل كتاب Nonsense: a handbook of logical fallacies ، وليس مقالة شوبنهاور حصرًا.