التصنيفات
فلسفة

كيف تفوز بنقاش فلسفي

الدليل المدعوم علميًا للفوز بأي نقاش

من الطبيعي أن نستشعر بعروبتنا غرابة هذا العنوان ونحن تربينا على: “توقف عن المجادلة” و “لماذا تناقش في كل شيء”… وهلم جر. تربينا على النظر إلى المجادلة كموقف عدائي فمن باب أولى أن تبدو محاولة “الفوز” بها كتهجم. لكن في الفلسفة، هذا الموقف السلبي المتقبل لكل ما يفرض علينا ليس مرغوبًا، أما الحوار والمجادلة فهي في قلب الفلسفة.

 وصلت أعمال أفلاطون إلينا على صورة جدالات فلسفية. والكثير من بعده، وإن لم يكتبوا بنفس الصيغة، يبدو أنهم يجرون حوارات مع أنفسهم وفي عقولهم- يطرحون مسألة ثم يردون عليها. هذا لأن المجادلات هي وسيلة للتعلم، ورؤية مواقع الضعف في الأطروحات، وبالتالي بناء حجج أقوى، خالية من الثغرات ما أمكن. وما لم يحاول كل طرف دعم وجهة نظره والفوز فلن تتعمق المطارحة، وبالتالي كلما أشتد النقاش، كلما زادت قوة الحجج، تمامًا كما المبارزة.

 لكن التوجس من هكذا مسألة مفهوم في ظل الشقاق والخلاف الواقع في المجتمع وبين المجتمعات والثقافات. إلا أنه يجب التمييز أن المجادلة الفلسفية هي نقاش وليس خلاف، هي محاولة لتقوية أفكارنا الخاصة وبالتالي تجري مع طرف نحترمه ونقدره فكريًا ليساعدنا في هذا المسعى. طرفا الجدال يرغبان بالفوز بشدة، لكنهما مستعدان كذلك للإقرار بوجود علة أو علل في منطقهما، ولا أحد متعصب لمعتقده الذي يجادل حوله، بل كل شيء مطروح للتعزيز أو التفنيد تماماً.

بهذه الشروط يكون الجدال فلسفيًا مفيدًا، وممتعًا فكريًا، وفيما عدا ذلك يتحول النقاش إلى جدال تشاقي، والخلاف إلى تهجم، والاحترام إلى بغض. قد يمنح هذه النوع من المعارك كل شخص مشارك بعض الرضا على المدى القصير -أنا أفوز لأنني على حق وهم أشرار!- لكن الحقيقة هي أنه لا يوجد أي تأثير من أي من الطرفين على الآخر؛ على العكس من ذلك، فإن الشيء الوحيد المكتسب من هكذا جدال هو زيادة التفرقة.

كما ينهي شوبنهاور كتابه الذي يعرض فيه أساليب ملتوية للفوز بجدال بالاستنتاج انه يجب أن نختار مع من نتجادل بدقة حتى تكون المجادلة “مفيدة للطرفين لأنها تسمح لهما بتصحيح أفكارهما الخاصة واستحداث آراء جديدة”. وإلا فإننا نعرض أنفسنا لأشخاص يفوزون بطرق خسيسة وسهلة دون أن نستفيد شيئًا.

والآن، هذه بعض النقاط القائمة على الأبحاث النفسية الحديثة لإقناع الآخرين والفوز في جدال فلسفي، والأهم تحقيق المزيد من المناقشات المثمرة:

اسأل “كيف”

تستند العديد من الحجج إلى مقدمات زائفة تُطلق بثقة كبيرة ولكن مع الحد الأدنى من الفهم للقضايا المطروحة. وجدت دراسة أن معظم الناس عند سؤالهم عن سياسات الحكومة وعواقبها، يعتقدون أنه يمكنهم شرح طريقة عملهم بتفصيل وافٍ. ومع ذلك، إذا اختبروا بالفعل، فإن تفسيراتها أتت غامضة وغير متماسكة. المشكلة هي أننا نخلط بين الإلمام الضحل بالمفاهيم العامة للمعرفة الحقيقية المتعمقة. وهذا ما يدعى بـ “وهم العمق التوضيحي”.

ولا يحمينا المستوى العالي من التعليم بالضرورة من هذا العيب. غالبًا ما يبالغ خريجو الجامعات مثلاً في مقدار فهمهم لموضوع تخصصهم؛ على الرغم من أنهم يتذكرون المحتوى العام، إلا أنهم ينسون التفاصيل. هذا الإحساس الزائف بالخبرة يمكن أن يقود هؤلاء المتعلمين للشعور بأن لديهم رخصة ليكونوا أكثر انغلاقًا في آرائهم- وهو موقف يُعرف باسم “الدوغمائية المكتسبة”.

لهذا السبب، من الطرق البسيطة والفعالة لتضييق حجة شخص ما هي طلب المزيد من التفاصيل. من خلال الكشف عن ضحالة معرفته الحالية، يُدفع إلى موقف أكثر اعتدالًا وتواضعًا.

من المهم ملاحظة أن السؤال ببساطة عن سبب دعم الناس أو معارضتهم لمسألة ما -دون مطالبتهم بشرح ماهيتها- لم يكن له أي تأثير، لأن هذه الأسباب قد تكون ضحلة (“لأنني مقتنع بذلك” أو “لأنني أحب هذا الأمر”). عليك أن تسأل كيف تتشكل القضية وكيف ترتبط أجزائها وهكذا.

من المهم الانتباه أيضًا أن وهم العمق لا يعطي مبررًا للتهجم بقول “أنت لا تعرف شيئًا” بل هو نقطة بداية لسؤال الطرف الآخر وجعله يدرك لوحده قصور معرفته.

كاريكاتور عن الجدال في العالم العربي

تعرف على المغالطات الجدالية حتى تتمكن من تجنبها

كان سقراط من أشد منتقدي الفلاسفة الزائفين، المعروفين بالسفسطائيين. هؤلاء الفلاسفة مفكرون أذكياء من التيار السائد (يمكن مقارنتهم ببعض ضيوف الاتجاه المعاكس ومؤثري اليوتيوب) باعوا خدماتهم المعرفية للنبلاء. يوظف مسؤولو الدولة هؤلاء السفسطائيين للترويج لأفكارهم السيئة والدفاع عنها، جاعلين منها تبدو مفيدة وليست ضارة. استخدم السفسطائيون بانتظام مغالطات، أو حججًا غير سليمة، لإقناع جمهورهم بما تريد الطبقة العليا منهم تصديقه.

بعد مضي كل هذه القرون من وقتها ما يزال الجدل الحديث مليئًا بالمغالطات المنطقية. لذلك من خلال معرفة المغالطات الجدالية، يمكن للشخص تجنبها بشكل فعال أثناء المشاركة في النقاشات، واكتشافها في خطاب الطرف الآخر ومعرفة كيفية الرد عليه دون الوقوع في مأزق.

املأ فجوة المعرفة بقصة مقنعة

إذا كنت تحاول فضح خطأ معين -مثل نظرية المؤامرة أو الأخبار المزيفة- فعليك التأكد من أن تفسيرك يقدم سردًا مقنعًا ومتماسكًا يملأ جميع الفجوات المتبقية في فهم الشخص الآخر.

تأمل التجربة التالية التي أجراها البروفيسور بريندان نيهان من جامعة ميتشيغان والبروفيسور جيسون ريفلر من جامعة إكستر. يقرأ الأشخاص قصة عن نائب وهمي يُزعم أنه يخضع للتحقيق بتهمة الرشوة مما دفعه للاستقالة. لم تقدم رسالة من النيابة توضح براءته أي عون يذكر لتغيير شكوك المشاركين في أن استقالته كانت للهروب من الذنب. ولكن عندما عُرض عليهم تفسير بديل لاستقالته متمثلاً في تولي منصب آخر، غير المشاركون رأيهم.

تعني القوة الإقناعية للروايات المصممة جيدًا أنه غالبًا ما يكون من المفيد مناقشة مصادر المعلومات المضللة، حتى يتمكن الشخص من فهم سبب ضلالها في المقام الأول.

لا تأخذ الرفض على محمل شخصي.

نظرًا لأننا جميعًا نبني هوياتنا، جزئيًا، حول قيمنا ومعتقداتنا، فعندما يتجاهل شخص ما معتقداتك، يمكن أن تشعر أنه يرفضك. ولكن كما أنك لست منزلك ولا وظيفتك، فأنت لست معتقداتك. ما لم يقل أحدهم: “أنا أكرهك بسبب آرائك”، يكون الاختلاف شخصيًا فقط إذا اعتبرته كذلك. تساعدك هذه الخطوة على أن تثبت لنفسك أنه يمكنك أن تتقبل شخصًا لا تتفق معه؛ ومعرفة أن بإمكانهم فعل الشيء نفسه معك.

أنصت أكثر.

وفقًا لبحث أجراه علماء الاجتماع في جامعة ييل وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، عندما يتعلق الأمر بتغيير عقل شخص ما، يكون الإنصات أقوى من التحدث. أجروا تجارب تقارن آراءً متناقضة في تبادل للآراء دون احكام مسبقة والاستماع العميق. لم يكن للأول تأثير على وجهات النظر، في حين أن الأخير خفض بشكل واضح الآراء الإقصائية. الاستماع ليس فعلاً سلبيًا بل هو فعل عطاء؛ هدية للآخر ليطرح رأيه كما يرضيه. للاستماع وطرح الأسئلة المناسبة دائمًا تأثير مفيد أكثر من التحدث.

كن معطاءً

إن إظهار أنك تستطيع أن تكون كريمًا مع الطرف الآخر بغض النظر عن آراءه يمكن أن يساعد في إضعاف ارتباطه بالمعتقدات، وبالتالي يجعله أكثر ميلًا لأخذ وجهة نظرك في الاعتبار. ولكن لكي تكون قيمك هدية حقًا، يجب أن تخفف ارتباطك بمتعقداتك أنت أولاً.

يكون الناس عمومًا أكثر عقلانية في حججهم، وأكثر استعدادًا للاعتراف بحدود معرفتهم وفهمهم، إذا عوملوا باحترام وتعاطف وتقبل. على النقيض من ذلك، يقودهم العداء إلى الشعور بأن هويتهم مهددة، وهذا بدوره يمكن أن يجعلهم منغلقين على التفكير. لذلك حاول دائمًا الحفاظ على هدوءك وتفهمك للآخر.

إن التعهد بمثل هذا الأمر أمر صعب، ولا شك. ولكن إذا كان كانت تهمك المعرفة فعلًا للصالح العام وليس لإشباع غرور شخصي، فعندئذ يجب أن تكون على استعداد لاعتبار طرق جديدة وأفضل لخدمة الهدف النهائي. إن إطلاق صواريخ خطابية قد يمنحن القليل من الرضا ويكسب المرء القليل من المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي ممن يشاركون نفس الآراء، لكن العطاء والانفتاح وسيلة لجعل العالم أفضل على المدى الطويل.

كتبها:

دريد الغزال و سابين عيسى