ما هو السؤال الأخير الذي طرحته. ربما كان في محادثة مع صديق أو زميل. ربما لشخص غريب في مقهى أو متجر. ربما سألت غوغل أو تساءلت بينك وبين نفسك. يطرح الجميع أسئلة ولكننا لا ننتبه دائمًا إلى متى وأين ومن أو ما نسأل. هذا ليس مفاجأة؛ الأسئلة جزء واسع الانتشار من الحياة اليومية. نبدأ في التساؤل مع تعلمنا للغة ونستمر في ذلك طوال حياتنا، غالبًا دون التفكير بوعي في هذه الممارسة.
تثير الفلسفة أسئلة تتناول قضايا ومعتقدات شائعة مما يتطلب تفكيرًا معمقًا بدلاً من البحث التجريبي عن إجابة. عندما نتبنى منهجًا فلسفيًا لهذه الأسئلة، فإننا لا نسعى إلى تقديم إجابات نهائية ولكن لتطوير وجهات نظر جديدة وأفكار بديلة حتى نتمكن من فهم المسائل المختلفة. من الأفضل فهم الأسئلة الفلسفية على أنها البحث عن حل “فلسفي” واضح لمشكلة “فلسفية” واضحة. لا نحل المشاكل، مع ذلك، من خلال اكتشاف حقائق جديدة أو تقديم معلومات دقيقة أو سد الثغرات في معرفتنا، نحلها من خلال فهم القضايا التي لا يبدو أنها منطقية حتى عندما تتوفر لدينا كل المعلومات.
يُعرف Luciano Floridi الأسئلة الفلسفية بأنها “الأسئلة التي تكون إجاباتها، من حيث المبدأ، مفتوحة على الاختلاف المستنير والعقلاني والصادق، النهائي ولكن ليس المطلق، والمغلقة تحت المزيد من الأسئلة، وربما تكون مقيدة بموارد تجريبية ورياضية منطقية، ولكنها تتطلب موارد فكرية للإجابة عليها”. فيما يعرفه لاني واتسون ببساطة بأنه “سعي البحث عن معلومات”.
مهمة الفلسفة هنا ذات شقين: يجب أن يسبق تحليلٌ للأسئلة، ويجب أن يتبعها أيضًا، توليف للإجابات. الفلسفة بدون أسئلة واضحة هي نشاط غر، وبدون إجابات مقنعة غير مجدية.
1-تحليل الأسئلة
بادئ ذي بدء، هناك مجموعة متنوعة من الأسئلة التي يمكن طرحها، والتي تتطلب طرقًا مختلفة للإجابة. على سبيل المثال، حول سؤال “كيف يعمل الدماغ؟” يمكن الحصول على إجابة ثابتة نكتشفها من خلال البحث العلمي. “كيف تغيرت المعيشة؟” يدعو إلى التحليل التاريخي. “ما سبب انهيار العملة؟” يُرد عليه من خلال جمع المعلومات حول النظام والوضع الاقتصادي في البلد. فيما يتطلب سؤال “هل تؤدي المكافئات لرفع ولاء الموظفين؟” بحثًا تجريبيًا.
أما الأسئلة الفلسفية على شاكلة “ماذا يعني فهم شيء ما؟” و “ما هي التزامات الفرد الأخلاقية اتجاه بقية الناس؟” يُرد عليها بطريقة مختلفة. لا يمكن إعطاء إجابات ثابتة عن طريق جمع الحقائق التجريبية أو استشارة آراء الخبراء أو إجراء الحسابات. تنشأ هذه الأسئلة حتى عندما تكون لدينا كل المعرفة الراسخة. يقول ماثيو ليبمان: “تحاول الفلسفة توضيح وإلقاء الضوء على القضايا غير الراسخة والمثيرة للجدل والعامة جدًا بحيث لا يوجد نظام علمي مجهز للتعامل معها”. بغض النظر عن مقدار المعلومات التي يتم جمعها حول ما يحدث داخل الدماغ عند دراسة قضية ما، فلن يكون ذلك كافيًا للإجابة على سؤال: “ماذا يعني فهم شيء ما؟”.
ولأن الأسئلة الفلسفية قابلة للجدل وإشكالية، فإنها تتطلب تفكيرًا معقدًا للإجابة. والحقائق ليست كافية لتقديم إجابات هنا، لذلك نحن بحاجة إلى استخدام منطقنا وحكمنا للوصول إلى إجابة. يتجاوز التفكير المعقد مجرد جمع المعلومات أو تذكرها. إنه ينطوي على اتخاذ عدد من التحركات المعرفية المترابطة والتي تتطلب في كثير من الأحيان لحل القضايا المجردة وغير الملموسة. قد يكون شكل التفكير المعقد المطلوب هو التفكير النقدي والإبداعي والاهتمام لتوضيح المعاني، وكشف الافتراضات، وتحليل المفاهيم، والنظر في صحة عمليات التفكير، والتحقيق في الآثار المترتبة على تبني أفكار معينة عوضًا عن غيرها.
عندما نسأل “ما عدد سكان الصين؟” نحن نحاول سد فجوة في معرفتنا. المشكلة هي نقص المعرفة بشيء نريد أن نعرفه. نقوم بحل هذه المشكلة عندما نجد هذه المعرفة المفقودة. عندما نسأل “ما هي أفضل طريقة للوصول إلى برج خليفة؟” نريد أن نعرف كيف نتصرف. المشكلة هي عدم اليقين بشأن كيفية التصرف، ونحل ذلك من خلال جمع المعلومات وتصميم خطة.
المشاكل الفلسفية هي حالة خاصة من الشك أو الجهل. لا تحدث المشاكل بسبب نقص المعرفة، ولكن بسبب عدم القدرة على فهم شيء ما أو رؤية كيف يمكن لأفكارنا أن تتماسك معًا وتكون منطقية. تنطوي المشاكل الفلسفية على الحيرة أو الغموض. يكتب برترنارد راسل عن هذا بشكل أنيق جدًا في كتابه مشاكل الفلسفة:
” هل هناك أي معرفة في العالم من اليقين بحيث لا يستطيع أي رجل عاقل أن يشك فيها؟ هذا السؤال، الذي قد لا يبدو صعبًا للوهلة الأولى، هو حقًا أحد أصعب الأسئلة التي يمكن طرحها. عندما ندرك العقبات في طريق إجابة مباشرة وواثقة، سنبدأ بدراسة الفلسفة بجد- لأن الفلسفة هي مجرد محاولة للإجابة على مثل هذه الأسئلة النهائية، لا بإهمال ودوغمائية، كما نفعل في الحياة العادية وحتى في العلوم، ولكن بشكل نقدي، بعد استكشاف كل ما يجعل مثل هذه الأسئلة محيرة، وبعد إدراك كل الغموض والارتباك الذي يكمن وراء أفكارنا العادية”.
2-حل المشكلة (أو الإجابة عن السؤال)
نحل المشاكل الفلسفية عبر البصيرة والمعنى، واكتساب إحساس أعمق بالفهم، والاستنارة، والتمييز، أو الإدراك الجديد أو الفهم. نسعى إلى إنشاء إطار جديد للأفكار يسمح لنا بإزالة التناقض أو التضاد المعرفي.
يحول حل مشكلة فلسفية المشكلة، مما يمنحنا طريقة جديدة لرؤية الأشياء التي تسمح للمشكلة بحلها. لا يمكن تفسير هذا التغيير فيما نراه أو نفعله بإضافة المزيد من المعرفة أو المعلومات. يحول القرار الفلسفي الموقف الإشكالي إلى كل موحد ذو معنى.
للتوضيح، دعونا نطرح السؤال التالي: هل يجب تعليم الطلاب أن يكونوا ليبراليين؟ من ناحية، يبدو من الضروري أن يتعلم الطلاب أهمية الحريات الشخصية والتسامح مع الآخرين. مع ذلك، من ناحية أخرى، إذا تعلموا عن الليبرالية بسن مبكرة، فيبدو أنهم سيتحدون تقاليد المجتمع ولن يلتزموا بالمدرسة أو يجدوا مبررًا للآداب العامة. المشكلة الفلسفية هي كيفية حل التوتر بين الآثار المفيدة والضارة التي تنشأ من فهمنا لهكذا قضية. يمكننا حل هذه المشكلة الفلسفية من خلال توفير رؤية جديدة أو فهم جديد حول التفكير والتعليم. على سبيل المثال، يمكننا توسيع فهمنا للتفكير الذاتي ليشمل ليس فقط الليبرالية ولكن أيضًا الأخلاق والقيم المجتمعية. من هذا المنظور، فإن التفكير بالتحرر لا يعني التخلي عن تقاليد لمجتمعنا. يمكن للطلاب التفكير بأنفسهم حول هذه التقاليد، ولكن يمكنهم القيام بذلك بشكل بناء وتعاوني. أيضًا، قد نعيد التفكير فيما نعنيه بعبارة “تقاليدنا”. ليست كل التقاليد تستحق الاحتفاظ بها. إذا غيرنا وجهة نظرنا في الليبرالية وتقاليد المجتمع بهذه الطريقة، فإن المشكلة الفلسفية الأصلية تختفي.
مع ذلك فإن حل المشكلات الفلسفية ليس تقديم إجابة نهائية ثابتة. لا يتم تبديد المشكلة بالكامل أبدًا. نحن لا نبحث عن إجابات نهائية. الإجابة الجيدة هي مجرد بوابة تفتح الأفق للمزيد من المعرفة والتقدم.
هل كل الآراء صحيحة إذًا؟
من السهل الوقوع في فخ الاعتقاد أنه نظرًا لعدم وجود حلول قاطعة للمشكلات الفلسفية، لا توجد إجابات صحيحة أو خاطئة، وبالتالي فإن الفلسفة هي مسألة رأي. هذا سيجعل الفلسفة بلا معنى لأننا لا نستطيع تصحيحها حتى لو حاولنا، وإجابة واحدة جيدة مثل أي إجابة أخرى لأنه لا يمكننا اعتبارها خاطئة.
يكمن الفخ في التغاضي عن طرق أخرى للحكم على القرارات الفلسفية إلى جانب ما إذا كانت صحيحة أم خاطئة. على الرغم من وجود العديد من الحلول الممكنة للمشاكل الفلسفية، هذا لا يعني أن أي إجابة مقبولة، أو أن الأمر كله مجرد مسألة رأي. يمكن أن تكون إجاباتنا أكثر أو أقل ذكاءً، ويمكن أن تكون مدروسة جيدًا، وبصيرة، ورحيمة، وتحسن معيشتنا، أو تكون سخيفة أو محبطة، أو خبيثة، وحتى مضرة.
صحيح/خاطئ هو معيار سطحي للغاية لاستخدامه. يتغاضى عن ثراء وعمق القرارات الفلسفية المختلفة. للحكم على مزايا القرار الفلسفي، نحتاج إلى التمييز بين التفكير الأفضل والأسوأ، وليس الإجابات الصحيحة والخاطئة.
حتى لو لم نتمكن من تحديد الإجابات “الصحيحة” للأسئلة الفلسفية عن طريق إجراء التجارب أو الاستطلاعات أو القراءة عن الموضوع أو إجراء الحسابات أو استشارة الخبراء، يمكننا تحديد الإجابات الأفضل باستخدام معايير أخرى أكثر دقة. على سبيل المثال، الحيادية والشمولية والاتساق أو الدقة والملاءمة والمقبولية والكفاية. يمكننا استخدام معايير التفكير الجيد هذه لتقييم القرارات الفلسفية المختلفة. إن الإجابة التي تكون منطقية ونزيهة وشاملة ومتماسكة أفضل من إجابة عكس ذلك.
السؤال الفلسفي يتطلب الشجاعة
الأسئلة الفلسفية هي أدوات تشير إلى المشكلات الفلسفية وتعزلها وتوضحها. تبدأ الفلسفة بالمشاكل، والأسئلة أدوات تساعدنا في الكشف عن المشاكل وعدم الاتساق، ونقوم بعد ذلك بالتحقيق فيها وإلقاء الضوء عليها. وبهذا المعنى، فإنها تعمل كمصابيح تنير الظلام. كما أنها أدوات للتركيز على جوانب معينة من المشاكل.
من المهم هنا أن نبدأ في ممارسة الفلسفة مع الاستعداد لمواجهة القضايا الصعبة والمشاكل المعقدة. علينا أن نكون مستعدين لكشف ومواجهة ما لا معنى له بشأن آرائنا العزيزة. يجب علينا أن نتحدى من دون منازع. يجب أن نجد المشاكل التي تجعل وجهات نظرنا الآمنة بشكل مطمئن أكثر انعدامًا للأمن وعرضة لأن يدخلها الشك والخوف. ومن هنا يمكننا القول أن القيام بالفلسفة والتساؤل الفلسفي يتطلب شجاعة.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.